مقالات فلسفية رائعة
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
مقالات فلسفية رائعة
الموضوع :السؤال المشكل.إذا افترضنا أن الأطروحة القائلة (إن المجتمع هوالنموذج والمصدر لكل سلطة أخلاقية)أطروحة فاسدة وتقرر لديك الدفاع عنهاوتبنيها فما عساك إن تفعل ؟
إن مشكلة أساس القيمة الخلقية هي من أقدم المشكلات الفلسفية واعقدها التياختلف حولها الفلاسفة والمفكرين منذ فجر التاريخ ،وتناولوها وفقا لأرائهمواتجاهاتهم الفكرية,ومن ابرز هذه الاتجــاهات .الاتجاه الاجتماعي الذييرجع أصحابه أساس القيم الخلقية إلى سلطة المجتمع .فكيف يمكننا إثبات أنالمجتمع هو المصدر والنموذج لكل سلطة خلقية؟
عرض منطق الأطروحة
ينطلق أنصار المدرسة الاجتماعية وفي مقدمتهم الفرنسي (دوركايم)من إن القيمالأخلاقية بمختلف أنواعها وأشكالها سببها المجتمع ,وما سلوك الأفراد فيحياتهم اليومية إلا انعكاس للضمير الجمعي الذي يُهيمن على كل فرد فيالمجتمع .وفي هذا يقول –دوركايم –(إذا تكلم الضمير فينا فان المجتمع هوالذي يتكلم )ومنه فان المجتمع هو المنبع والأساس الوحيد للقيمة الأخلاقية.وكل فعل يقوم به الفرد خارج الأطر والقوانين الاجتماعية لا تكون له أيةقيمة في المجتمع .وكل من يحاول التمرد على الأعراف والعادات الاجتماعيةيُعَرضُ نفسه لاستهجانه وسخطه .ومن هنا كان للقيمة الخلقية قوة مؤثرة فيالفرد فهو يستجيب لها راضيا أو كارها ولهذا يقول دوركايم –إذا استنكراحدنا الفاحشة فلان المجتمع استنكرها – ويقول أيضا *.....لا بُد أن تكونأخلاق الفرد هي الأخلاق التي يتطلبها المجتمع بالضبط .إذ أن أي فعل لايقره المجتمع على انه أخلاقي مهما كان نوعه لا يمكن أن يكسب فاعله أي قدرمن الهيبة والنفوذ........
تدعيم الأطروحة بحجج شخصية
إن الأفراد المتمردون على القيم الاجتماعية وعند قيامهم بأي تصرفات منافيةللقيم الاجتماعية يقومون بها بعيدا عن أعين المجتمع .فالسارق لا يمكنه أنيسرق شيئا إذا اعتقد أن غيره يراه .كما أن الواقع يؤكد بان سلطة المجتمععلى الكثير من الأفراد أعلى من سلطة الشرع والعقل معا بدليل إن السوادالأعظم من البشر يلتزمون اشد الالتزام بالأوامر والنواهي الاجتماعية.بينما يقل التزامهم بالتعاليم الشرعية ..بالإضافة غالى أن الطفل ومنذنعومة أظافره يحتك بالمجتمع من اجل اكتساب القيم الأخلاقية فيُقَومويُعَدل سلوكا ته وفقا لأوامر ونواهي المجتمع .
نقد خصوم الأطروحة
يرى أنصار الاتجاه العقلي وفي مقدمتهم الألماني كانط أن العقل هو الأساسوالمصدر لكل قيمة خلقية لأنه الوسيلة التي يميز به الإنسان بين الخيروالشر.وهو الذي يُشَرع ُ ويضع مختلف القوانين والقواعد الأخلاقية التيتتصف بالكلية والشمول أي تتجاوز الزمان والمكان .وقد اعتبر كانط الإرادةالخيرة الدعامة الأساسية للفعل الأخلاقي والشرط الذي ينبغي توفره فيالإرادة هو الواجب ولهذا تسمى الأخلاق الكانطية- أخلاق الواجب -
وفي هذا يقول( إن الفعل الذي يتسم بالخيرية الخلقية فعل نقي خالص ,وكأنما هو قد هبط من السماء ذاتها)
ولكن أنصار هذا الاتجاه لا يستطيعون تفسير اختلاف القيم الأخلاقية بينالأفراد رغم ان العقل هو اعدل قسمة بين الناس .,كما انه ليس كل البشريملكون الإرادة الخيرة .وهذا الإضافة إلى أن الأخلاق الكانطية هي أخلاقمتعالية مثالية ولا يمكن تطبيقها على ارض الواقع
حل المشكلة
إن المجتمع يمدنا بمختلف القيم والقوانين الأخلاقية وهو سلطة متعالية علىجميع الأفراد .والمرجع الأساسي لمختلف السلوكات الإنسانية ومنه فانالأطروحة القائلة إن المجتمع هو المصدر والنموذج لكل سلطة خلقية هي أطروحةصحيحة في سياقها ونسقها
هل نجحت الأسرة أمام تحديات العصر ؟
طرح المشكل :
الأسرة هي الخلية الاساسية في المجتمع وأهم جماعاته الأولية ،تتكون منافراد تربط بينهم صلة القرابة و الرحم تساهم الاسرة في النشاط الاجتماعيفي كل جوانبه المادية و العقائدية و الاقتصادية فقد أختلف الفلاسفة والعلماء حول نجاح أو فشل الأسرة فمنهم من يرى أن الأسرة فشلت أمامالتحديات و منهم من يرى أن الأسرة نجحت في كل وظائفه ؟ فأي الرأيين أصح ؟و هل الأسرة قاومت كل التحديات و المصاعب التي تواجهها ؟
محاولة حل المشكل :
الموقف الأولى : قد فشلت الأسرة أمام التحديات :
الأسرة في العالم تعايش وضعية معقدة من التحولات الكبرى الحادثة في صلبالحياة الإنسانية المعاصرة، وهي بالتالي تواجه فيضاً متدفقاً من التحدياتالمصيرية، التي تنأى بها عن دورها الإرشادي والتوعوي الفاعل في زمن يختنقبتحولات العولمة والميديا وثورة الثقافة والمعلوماتية. لقد أثرت صدمةالتغير على الأسرة فوضعتها في حالة احباط واهتزاز وتصدع، احاط بكيانهاوأدوارها ورسالتها الأساسية في توجيه الجيل وتربية النشء وبناء الأمةوالإنسان على مدارج الفعل الحضاري مما نتج عنه بأن تشارك في عملية التعليممؤسسات غريبة عن المجتمع. لقد أدى تكاثر هذه المؤسسات التي تسحب من الأسرةبعض ما كان لها من مهام، إلى زيادة تعقيد مهمة الأسرة المسلمة ووضع علىعاتق الوالدين عبئاً ثقيلاً، وجعل مهمة التعرف على الطرق المناسبة للتربيةمهمة في غاية الصعوبة، خصوصاً وأن اتساع الفجوة بين الأجيال ازداد بسرعةفائقة. لقد تقدمت المعلومات والمعارف بسرعة مذهلة مما جعل معارف الكبارتبدو قديمة وغير مناسبة لمتطلبات العصر وتطلعات الشباب
لقد أدى انفراط عقد التربية الأسرية نتيجة للتغيرات التي صاحبت العولمةإلى ظهور أنماط تربوية من قبل الآباء تجاه أبنائهم أخطرها المواقف السلبيةالتي تصدر من الآباء في تربية أبنائهم، منها على سبيل المثال، الاغداقالمبالغ فيه على الأبناء بطريقة تتسبب في مسخ شخصية هؤلاء الأبناء وعدمتقديرهم للمسؤولية وتعودهم على التسيب واللامبالاة وربما التهور في بعضالأحيان، فعندما يحصل المراهق الصغير الذي لم يتجاوز السادسة عشرة من عمرهعلى سيارة من والديه وبتخويل رسمي منهما، إنما يدل على قصور كبير في معرفةأسس التربية بين معظم الآباء والأمهات فالأغلبية يعتقدون أنه من الطبيعيجداً أن يمتلك أبناؤهم وبناتهم جميع أنواع الكماليات في مثل هذه الأعمالوإلا فإنهم سيتهمون بالتقصير في حقهم، ولكنهم يتفاجأون عندما يكتشفون أن"عدم تقصيرهم" في حق أبنائهم قد دفع هؤلاء الأبناء إلى الخطأ والجريمةوالانحراف وأسوار السجون، المشكلة الحقيقية ليست فقط في سهولة حصول الابنعلى الأشياء الثمينة والنفيسة والمال الوفير، وإنما أيضاً في غياب منيتابع ويراقب أو يضبط عملية استخدام كل هذه الأشياء، فيعرف أنه مهما تمادىوأساء الاستخدام فليس هناك من سيحاسبه، الأمر الذي قد ينجم عنه الكثير منالمشاكل والمآسي التي تنعكس على أسر بأكملها.
نقد : و لكن تطور المجتمعات من العصور القدم إلى يومنا هدا كانت الأسرة هيالأساس في هدا التطور و هي الكيان الدي يقوم عليه المجتمع فلا يمكن لناإنكار و تجاوز أهمية الأسرة
الى أي مدى يمكن للتخيل ان يتجاوز الواقع ؟
المقدمة: إذا كانت القدرة على التخيل خاصية إنسانية فان السؤال المطروح، ما حدود هذه القدرة ؟ هل هي مرتبطة بالواقع أم تتجاوزه ؟
طبيعة الموضوع: يعرف التخيل: بأنه قدرة الفكر على استحضار الصور بعد غيابالأشياء التى أحدثتها أو تركيبها تركيبا حرا، و انطلاقا من هذا التعريفنستنتج أن التخيل نوعان: 1- تمثيلي: و هو استعادة الصور كما هي بعدتجريدها من عنصر الزمان و المكان وهو مرتبط ارتباطا وثيقا بالإدراك الحسي،2 – إبداعي: و هو قدرة الفكر على تجاوز الواقع و ذلك بإبداع صور جديدةبطريقة مغايرة تماما للواقع
وجود الموضوع: و يظهر هذا التجاوز في الكثير من المجالات 1- في العلم: حيثتمكن الإنسان انطلاقا من ملاحظات أن يضع فروضا علمية يفسّر بها الظواهر ويكتشف القوانين العلمية التى حولها بعد ذلك الى اختراعات و ابتكارات أضفتعلى وجوده بعدا حضاريا، 2- في الفن: حيث استطاع أن يعكس ذاته، و أعطىوجوده بعدا جماعيا تجلى ذلك في مختلف الفنون التى تبقى دوما مجالا خصبالإبداعات الإنسان، 3- في الفلسفة و السياسة: و ذلك بإنشاء مذاهب فلسفية يفسر بها مظاهر الوجود و أنظمة سياسية تنشد الخير للإنسان الذي يبقى دوما السبب في قيامها.
قيمة الموضوع: فالمخيلة تحرر الإنسان من الواقع الضيق الحافل بالمشاكل والمتاعب الى الخيال الفسيح. فلولاها لضاقت به الحياة، ولما توصل الى هذهالإبداعات المختلفة، التى يتمتع بها اليوم
الخاتمة: إذن فالتخيل نشاط تحرري ساهم الكثير في تطور حياة الإنسان و نعمةإلاهية أودعها الله في الإنسان، كيف لا و هو خالقه و أدرى بطبيعته ومتطلباته.
ما قيمة الرياضيات؟
المقدمة:الرياضيات علم عقلي مجرد يقوم على البرهان، و يختلف بذلك عنالعلوم التجريبية التى تقوم على التجربة، غير أن الرياضيات اليوم تحتلمكانة الصدارة بين العلوم التى لا تستطيع الاستغناء عنها، و اكتسب قيمةكبيرة، ففي ماذا تتمثل هذه القيمة ؟ إذا عرفنا أن الرياضيات علم مجرد لايدرس لذاته، نتساءل الى أي مدى يمكن ان نتحدث عن قيمة الرياضيات؟
التحليل:تدرس الرياضيات المفاهيم الكمية المجردة القابلة للقياس، بطابععقلي بحت، الأمر الذي مكنها من الوصول الى نتائج دقيقة وواضحة، تنتج عنالمقدمات بطريقة اضطرارية وجوبية، مما يضفي عليها نوعا من الصرامةالمنطقية التى تقومّ العقل، وتجعله لا تقع في الخطأ. فإذا قلنا أن4=2+2=1+1 كانت 4=1+1+1+1 بالضرورة.
هذه الصرامة التى تجعل الرياضيات تمتاز بشكل ملحوظ عن غيرها من العلوم،فتنت أفلاطون فدعا الى إدخالها برنامج إعداد حكام المستقبل، و جعلها شرطاأساسيا للدخول الى أكادميته، غير أن قيمة الرياضيات لم تبرز بالشكل الذينعرفه اليوم، إلا بعد دخولها عالم الطبيعة، وأصبحت القوانين الفيزيائيةتصاغ على شكل علاقة رياضية دقيقة، هذه الدقة التى تعتبر شرط المعرفةالعلمية. يرجع تاريخ دخول الرياضيات مجال الفيزياء الى القرن السابع عشربفضل أعمال كيبلار(1571/1672)الذي صاغ القانون سقوط الأجسام، و ديكارتالذي قدر حركة الكواكب تقديرا كميا، حينها أدرك الإنسان انه لن يتمكن منالغوص في أعماق الطبيعة، للكشف عن أسرارها، إلا إذا تعامل معها بلغةرياضية. يقول غاليلي:" الطبيعة لا تجيب إلا عن الأسئلة المطروحة عليهابلغة رياضية ".
إن الرياضيات عنده هي اللغة التى تفهمها الطبيعة، و بدون الرياضيات ليسهناك مجال للحديث عن الفيزياء، هكذا يقول برانشفيك "إذا فقدت الفيزياءطابع التقدير الكمي للظواهر، صارت مجرد إحساس بكيفيات قابلة للوصف لا غير"، فالفيزياء عنده بدون رياضيات تصف ظواهرها، و الوصف أدب و ليس علما،كذلك دخلت الرياضيات مجال الكيمياء على يد الكيميائي الفرنسيلافوازيه(1743/1794) و مجال البيولوجيا على يد مندل (1822/1884)، حين وضعقوانين الوراثة، وأصبحت البيولوجيا لا تستعمل الرياضيات فحسب و غنماتتضمنها.
إن النجاح الكبير الذي أحرزته علوم المادة في استخلاص العلاقات بصيغ كمية،مكنها في التحكم في الكثير من الظواهر، مما جعل العلوم الإنسانية بدورهاتعمل على إدخال الرياضيات مجالها ـ لتقترب من الدقة التى تمكنها منالانظمام الى مجموعة العلوم. فاستخلصت قوانين صياغتها على شكل معادلاترياضية، أو مخططات بيانية، أو نسب مئوية كما نرى في الإحصاء، الذي يعتمدعليه الباحثون في علم الاجتماع. لا احد يستطيع أن ينكر اليوم، ونحن فيالقرن الواحد و العشرين، القيمة الكبيرة للرياضيات، التى مكنتنا من احتلالمكانة الصدارة بين العلوم و المعارف جميعها. وكانت ثقة الإنسان فيالرياضيات كوسيلة لبلوغ الحقيقة التى حلم بها طويلا، لا يتخللها شك أوريب، بفضل لغة الأعداد، وما تمتاز به من الدقة. إن التقدم المذهل و النجاحالكبير للتكنولوجيا المعاصرة في حضارتنا المادية، ليس إلا برهانا على صحةالرياضيات، وعنوان صدقها، مما يمكننا من القول مع برانسفيك:" أن العملالحر الخصب للفكر، يبدأ من العصر الذي جاءت فيه الرياضيات، فزودت الإنسانبالمعيار الصحيح للحقيقة " لا يستعمل الإنسان الأعداد في العلوم والتكنولوجيا فحسب، وإنما يستعملها أيضا في حياته اليومية، لتكون أكثر دقةو انضباطا، وأصبحت مقولة الفيثاغوريين " الأعداد تهيمن على العالم " ليستخيالا، و إنما واقع يعيشه الإنسان، يجعله يتعرف بقيمة الرياضيات و فضلهاعليه.
لكن ماذا إذا توقفها قليلا، ونظرنا الى الرياضيات كعلم قائم بذاته منفصلعن العلوم ؟ هل يمكن ان تكون لها، في حد ذاتها، نفس القيمة التى اكتسبتهاكونها وسيلة ؟ و ما نحن متأكدون منه ان الرياضيات اكتسبت قيمتها لمااستعملتها العلوم لغة تتكلم بها، وإن دعوة البعض من المعجبين بها الىدراستها كغاية في ذاتها، مثلما درس المنطق الصوري كغاية في ذاته في القرونالوسطى، خطأ كبير يجعل مصيرها نفس مصير الميتافيزيقا اليوم. ولا يعني هذاأننا نقلل من شأن الميتافيزيقا، ولكن ما نعنيه ان الإنسان اليوم، المتشبعبالروح الوضعية، لا يولي اهتماما كبيرا بها كعلم مجرد بعيد عن الواقع،بالرغم من نداءات كثيرة من الفلاسفة الذين حاولوا أن يردوا لها اعتبارهافي زمن العلم و التكنولوجيا.
ما هي الرياضيات بمعزل عن العلوم ؟ إنها علاقة عقلية مجردة تربط منطقيابين القضايا، أليست الميتافيزيقا علاقات عقلية مجردة تربط منطقيا ؟ لانعتقد أن الرياضيات بمعزل عن العلوم ستجد من يهتم بها سوى بعض المعجبينالذين يجدون فيها متعة خالصة. أما عن قول فردناند (1866/1952):أنبالعمليات الرياضية وحدها يمكن الكشف عن أسرار الطبيعة، يضفي علىالرياضيات طابعا سحريا، و يبعدها عن الواقع. إن الرياضيات لا تستطيع معرفةالطبيعة إلا إذا اتصلت بها. دخول الرياضيات مجال الفيزياء " و عقلنةالطبيعة " لا يعني أن الرياضي يمكنه أن يعمد الى نوع من التأهيل العقليليصل الى المعرفة أسرار الكون، بل بالعكس معرفة الطبيعة تكون بفضل التجربةالتى تكشف عن أسباب الظواهر، ثم تتدخل الرياضيات، بعد ذلك، لتعبر عنهابلغة الأعداد الدقيقة. إن الإنسان لا يدرس الرياضيات كغاية، وإنما يدرسهاكوسيلة تستعملها العلوم بعد كشفها عن العلاقات بين الظواهر، لتعبر عنهابعد ذلك بأسلوب الكم. لنقل أن الرياضيات خادمة العلوم، التى هي سيدتها.
و يجدر بنا أن نشير الى كون الرياضيات وسيلة العلوم، لا ينفي عنها كل قيمةفي ذاتها. فإن الرياضيات تعتبر بحق أفضل و أنسب علم يعلم العقل كيف يجردأفكاره و يقدمها في تسلسل منطقي محكم. فتعرف الإنسان بخفايا عقله، و قدرتهعلى الغوص في أعماق العالم المجرد. وإذا كانت العلوم تعلمنا حقيقةالطبيعة، فإن الرياضيات تعلمنا حقيقة الفكر.
أما التهمة التى وجهت إليها، على أنها مجرد قضايا عقلية مجردة بعيدة عنالواقع، فيمكن ردها: إن الرياضيات اليوم تبدو متلائمة مع الواقع. يقوللوتمان:" إن التصورات الرياضية تتمثل ككائنات عقلانية يضعها العقل فيتلاؤم مع الطبيعة و الكون ". و الدليل أن تصورات ريمان للمكان وجدت عالمايناسبها في الفيزياء إنشتاين التى تطبقها.
الخاتمة:وهكذا نستنتج أن الرياضيات وسيلة أكثر مما هي غاية، وإن كانت تفيدالإنسان كغاية، فإنها تفيد أكثر كوسيلة، تستعملها العلوم للكشف عن أسرارالطبيعة، و بلوغ الحقيقة، فإذا كانت الرياضيات قد أكسبت العلوم قيمة بفضلأسلوبها الدقيق، فإن العلوم قد أكسبت الرياضيات قيمة، كلغة لا يمكن التخليعنها، في سعي الإنسان نحو الحقيقة.
-هل التنافس الحرّ كفيل بتحقيق الازدهار الاقتصادي؟-هل الازدهارالاقتصاديمرهون بتحرير المبادرات الفردية؟-هل تُحلّ مشكلة العمل بتقييدالملكية؟-هل تُحل مشكلة العمل بتحرير الملكية؟-هل تحقق الليبرالية العدالةالاجتماعية؟
مقدمة:
تعتبر الرغبة في الحياة المحرّك الأساسي عند جميع الكائنات الحية خاصةالإنسانوالحيوان تدفعهم إلى الحركة داخل الوسط الطبيعي بحثا عن عناصرالبقاء وفي محاولةللاستفادة منه لكن حركة الإنسان [قصدية, واعية, هادفة]هذه الخصائص مجتمعة تعرف فيالفلسفة وعلم الاقتصاد بظاهرة الشغل الذييحيلنا إلى موضوع "الأنظمة الاقتصادية" فإذا علمنا أن الرأسمالية تعتمدعلى التنافس الحرّ والاشتراكية تتبنى توجيهالاقتصاد فالمشكلة المطروحة:هليتحقق الازدهار في ظل الرأسمالية أمالاشتراكية؟
الرأي الأول (الأطروحة):
ترى هذه الأطروحة أن [شرط الازدهارالاقتصادي يتوقف على مدى تطبيق النظامالرأسمالي في أرض الواقع] وهو نظام يحققالرفاهية المادية والعدالةالاجتماعية, ويهدف إلى ضمان "أكبر قدر من الربح الماديمع أكبر قدر منالحرية" تعود الجذور الفلسفية للرأسمالية حسب عالم الاجتماع "ماكسفيبر"إلى عاملين فلسفة التنوير التي دافعت عن حرية الفكر والتصرفوالبروتستانتيةالتي مجّدت العمل والحرية, هذه الأفكار تجلّت في المذهبالفردي والذي من أكبر دعاته "آدم سميث" و"ستيوارت ميل" والرأسمالية تقومعلى مجموعة من الخصائص أهمها [الملكيةالفردية لوسائل الإنتاج وحقّالتملّك] التي هي في نظرهم تشبع غريزة حبّ التملّكواعتبرها "جون لوك" منالحقوق الطبيعية للإنسان وامتداد لغريزته وقال عنها "جونستيوارت ميل"{الملكية الخاصة تقليد قديم اتّبعه الناس وينبغي إتباعه لأنهيحقّقمنفعتهم}وترى الرأسمالية أن الاقتصاد ظاهرة طبيعية أساسه قانون العرضوالطلب الذيينظّم حركة الأجور والأسعار ومنه ضرورة [عدم تدخّل الدولة فيالشؤون الاقتصادية] لأن تدخلها يتعارض مع أهمّ مبادئ هذا النظام وهوالحرية وهي حقّ مقدّس لكل إنسان لاينبغي النازل عنه وتدخّلها يضربالاقتصاد لأنه يخلق عراقيل مختلف وهنا يظهر مبدأ [التنافس الحرّ] الذي هوفي نظرهم ضروري لخلق حركية في الفكر والإبداع وإلغاءالتنافس يضعف الاقتصادقال عنه "باستيا" {إلغاء التنافس الحرّ معناه إلغاء العقلوالفكر والإنسان}والتنافس يحقّق العدالة الاجتماعية وهذا ما أكّد عليه "آدم سميث" في كتابه[بحوث في طبيعة وأسباب رفاهية الأمم] لأن المصلحة العامة متضمنة فيالمصلحةالخاصة فالرأسمالية قادرة على تحقيق الرفاهية المادية
.
نقد(مناقشة):
لاشك أن الرأسمالية قد قسّمت المجتمع الواحد إلى طبقتين طبقة ملك وأخرى لا تملكوتجسّد بذلك استغلال الإنسان لأخيه الإنسان.
الرأي الثاني (نقيض الأطروحة):
ترىهذه الأطروحة أن [الرفاهية المادية تتحقق في ظل النظام الاشتراكي] الذيبنظرهم يحققالعدالة الاجتماعية بين أفراد المجتمع الواحدوالاشتراكية{أيديولوجية اقتصادية ذاتأبعاد اجتماعية تمجّد الروح الجماعية}تعود هذه الأفكار إلى مجموعة من الفلاسفةمنهم"كارل ماركس" الذي رأى أنالرأسمالية تحمل بذور فنائها بداخلها حيث تزدادالفجوة باستمرار بين الطبقةالبرجوازية المالكة لوسائل الإنتاج وطبقة البروليتاريا (الكادحة) ويفسّرماركس هذا التناقض قائلاُ {الذين يعملون لا يغتنون والذين يغتنونلايعملون} هذا التناقض يولد مشاعر الحقد والكراهية فتحدث ثورة الفقراءعلىالأغنياء عندها تسقط الرأسمالية وتحل محلّها الاشتراكية التي تعتمد علىمجموعة منالخصائص منها [الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج] التي ذكرها"فلاديمير لينين" فيبيان الحزب الاشتراكي السوفياتي فقال {الاشتراكية نظاماجتماعي لا طبقي له شكل واحدالملكية العامة لوسائل الإنتاج} وهنا تظهرالحاجة إلى تدخّل الدولة في الشؤونالاقتصادية أو ما يسمى "توجيه الاقتصاد"من خلال المخططات حيث يصبح العمال محورالعملية الاقتصادية ويتجسّد بذلكشعار |من كلٍّ حب مقدرته ولكلٍّ حب حاجته|وبذلكتتحقق العدالة الاجتماعيةلأن الاشتراكية كما قال "انجلز" {نشأت من صرخة الألملمحاربة استغلالالإنسان لأخيه الإنسان}.
نقد (مناقشة):
الاشتراكية كان مآلها السقوطفي عصرنا هذا بسبب التواكل وغياب روح المبادرة والإبداع وهذه أكبر سلبياتالنظام.
التركيب:
إن النظام الاقتصادي الفعال الذي يجمع بين المبادئ والغاياتوالوسائل فلاينظر إلى الاقتصاد نظرة مادية فقط دون مراعاة الضوابط الأخلاقية كمافعلتالرأسمالية كما قال عنها "جوريس" {إنها ترمز إلى سياسة الثعلب الحرّ فيالخمّالحرّ} بل لابدّ من السعي إلى تحقيق تكامل بين الروح والمادة وهذه هيفلسفةالاقتصاد في الإسلام فالبيع مقترن بالأخلاق لــ"قوله تعالى" {أَحَلَّالله البَيعَوحَرَّمَ الرِبَا} والملكية ثلاثية الأبعاد [الله, الإنسان,المجتمع] والزكاة تطهيرللنفس ومواساة للفقراء لــ"قوله تعالى"{وفِيأَموَالِهِم حَقٌّ للسَائِلِوالمَحرُوم} هذه الاعتبارات الأخلاقيةوالروحية تدفعنا إلى تجاوز الرأسماليةوالاشتراكية والدفاع عن الممارسةالاقتصادية في الإسلام.
الخاتمة:
وفي الأخير يمكنالقول أن الشغل ظاهرة إنسانية قديمة كان عنوانا للشقاءوالعبودية في الفلسفاتالقديمة وتحوّل تحت تأثير "فلاسفة العصر الحديث" إلىمصدر للتحرر وبناء شخصيةالإنسان, وظاهرة الشغل ترتبط بإشكالات كثيرة منهاإشكالية الأنظمة الاقتصادية التيتطرقنا إليها في مقالنا هذا من خلال تتبعأفكار المذهب الرأسمالي الذي اعتبر الحريةجوهر العملية وكذا المذهبالاشتراكي الذي مجّد الروح الجماعية ومن منطلق أنالاقتصاد الفعال هو الذييربط الممارسة الاقتصادية بالمبادئ الأخلاقية نستنتج:يتحققالازدهارالاقتصادي عندما تتكامل النظرة الأخلاقية مع الأبعاد المادية
ما الذي يميز المعرفة العلمية ؟
المقدمة: ان المعرفة التي تأتينا من العلم الخارجي عن طريق أدوات الحستمكننا من إدراك الأشياء إدراكا فطريا مباشرا، ويمثل هذا الإدراك المباشرللأشياء ابسط صورة المعرفة الإنسانية وهو ما يعرف بالمعرفة العامية أوالعادية، ويمارسها كل إنسان في حياته اليومية.فالتفكير في الحقيقة واحدسواء عند الإنسان العادي أو العالم، بل ان العالم قد يفكر أيضا تفكيراعاميا خلال حياته العامة، ولكنه من جهة أخرى يفكر تفكيرا خاصا يكون بهمعرفة متميزة عن الأولى يسعى من خلالها تجاوز هذا المستوى العادي منالتفكير، فيقيم إدراكه للأشياء على أسس وخصائص تختلف تماما عما هي عليه فيالمعرفة العامية، فإذا كانت المعرفتان العامية والعلمية مختلفان فما الذييميز بينهما ؟وما علاقة كل منهما بالأخرى في حصول المعرفة الإنسانية ؟
التحليل: ان أفراد المجتمع الواحد في كل عصر من العصور يشتركون في إدراكهمللأشياء باعتبار ان مصدر ثقافتهم ونمط سلوكهم واحد، وهذا الاشتراك فيالثقافة وفي نمط الحياة من شانه ان يوحد بينهم في طرق انتفاعهم بالأشياءمما يولد لديهم مستوى من المعرفة يكون ضروريا بالنسبة للناس جميعا فيحياتهم اليومية سواء عند العامي أو العالم فتكون بذلك المعرفة العاميةوالعلمية تهدفان الى تحصيل معارف قصد التكيف مع البيئة غير ان العالميحاول تجاوز مستوى الإدراك المباشر للأشياء.كما ان المعرفتان العاميةوالعلمية تشبع فضول صاحبها، فالمعرفة العامية لا قيمة لها في العلم ولكنهارغم كونها أحلاما فهي تفسير للمجهول عند العامي قد يضاهي اقتناع العالمبحقيقة أبحاثه، وعليه فالمعرفة العامية والعلمية مظهران لطموح الإنسان فيطلب المعرفة
ان المعرفة العامية وليدة آراء فردية خاطفة، وأحكام شخصية جزئية، لذلكتكون كيفية في شكل خليط من الأصوات والألوان والروائح كونها تتعلقبالإدراك الفطري للبيئة مباشرة، وهذا الإدراك الكيفي للأشياء يكون مشتركابين أفراد المجتمع الواحد توجهه المنفعة الشخصية التي تعتبر بمثابة مقياسللصواب والخطأ عند العامة.لذلك قال باشلار: (ان الرأي يسيء التفكير إذ هولا يفكر وإنما لا يترجم الحاجات والميول الى معارف ).أما المعرفة العلميةفهي تتميز بالكلية والشمول وقد قال أرسطو: (لا علم إلا بالكليات ) ويقولبرتراند رسل: (العلم لا يكون إلا إذا كشفنا عن القوانين العامة ).وفيمقابل الإدراك الحسي المباشر فان المعرفة العلمية تحول الكيف الىالكم.فالمسموع والملون يصبح اهتزازات وموجات يخضع لقياس كمي دقيق، وبذلكتتحول الأحكام الساذجة المشبعة بالذاتية الى أحكام موضوعية تم بلوغها بطرقغير مباشرة.فالعلم تفكير منظم يستمد حقائقه من المشاهد الدقيقة والتجربةالمنظمة ثم يربطها في نسق مجرد.
ان المعرفة العامية والمتمثلة في إدراكنا المباشر للأشياء تعتبر ابسطأشكال المعرفة الإنسانية تجاوزه.ولذلك فهي خاصة بالناس جميعا ويعتمدونهافي حياتهم اليومية، إلا ان العلم لا يمكن ان يعتمد عليها فيسعى العلماءلتجاوز هذا المستوى من المعرفة ويقيمون إدراكهم للأشياء على أسس أخرىتختلف كل الاختلاف عما هي عليه معرفتهم الأولى.وعليه فالمعرفة العاميةمنطلق للمعرفة العلمية ولكنها في نفس الوقت عائق في طريقها وعلميا يجبتجاوزه.
الخاتمة:ان المعرفة العلمية هي معرفة كلية تعتمد التعميم وتتوخى الدقةوالوضوح فتعبر عن مفاهيمها تعبيرا كميا دقيقا، وهي موضوعية يتجرد فيهاالباحث عن الأهواء والغايات الشخصية وبهذا فالعلم يبني الظاهرة العلميةبناء يباعد بينها وبين الظاهرة كما تبدو في شكلها الخام لدى المعرفةالحسية المباشرة، وهي بذلك تختلف عن المعرفة العفوية العامية التي هيجزئية وفردية وذاتية توجهها منفعة الشخص العاجلة وتعتمد التعبير الكيفيالغامض.
ما رأيك في موقف المعتزلة من مصدر القيمة الأخلاقية ؟
المقدمة:اشتد النقاش حول مصدر القيمة الأخلاقية عند المسلمين ، فرأىالمعتزلة أن الإنسان كان يرتاح لبعض الأعمال ، و ينزعج من الأخرى قبل مجيءالشرع . ألا يعني هذا أن الإنسان كان يعرف الخير و الشر بعقله قبل مجيءالشرع ؟ لكن الأشعرية من جهتهم يتساءلون: ألم نطلق على المرحلة التى عاشهاالإنسان فبل الإسلام بالجاهلية مما يدل على جهله للخير، وما يجب فعله، أوتركه إلا بعد مجيء الشرع ؟ ألا يعني هذا أن الشرع هو الذي هدى الإنسان الىالخير و نهاه عن الشر ؟
و المشكل المطروح: هل العقل هو مصدر القيمة الأخلاقية أم الشرع ؟
التحليل:المعتزلة فرقة إسلامية من أهم فرق علم الكلام، أقامت مذهبها علىالنظر العقلي، و أولت تعاليم الدين تأويلا يتفق مع العقل. من أهم المسائلالتى اهتمت بها مسألة الحسن و القبح في الأفعال. ليس الخير عندهم خيرا لأنالله أمر به، وليس الشر شرا لأن الله نهى عنه، و لكن الخير خير في ذاته،والشر شر في ذاته، فهما قيمتان أخلاقيتان مطلقتان. ولا يمكن ان يكون الصدققبحا كما لا يمكن أن يكون الكذب حسنا. وإذا كان الله قد فرض الصدق و نهىعن الكذب، فذلك لما فيهما من حسن و قبح في ذاتهما.
إن الإنسان عند المعتزلة كان يدرك الخير و الشر بعقله قبل ورود الشرع،فكان ضميره يرتاح لبعض الأعمال، و ينزعج من الأخرى، كما يرتاح مثلاللشجاعة و الكرم، و ينزعج من الجبن و الخيانة، كما أن إقبال الإنسان علىالتعاليم التى جاء بها الدين الإسلامي بتلقائية كبيرة، دليل على أنها كانتتتفق مع ما في عقله من قيم أخلاقية. فلو أتى الشرع بما لا يدركه عقلالإنسان، لما أقيل الناس عليه، و لا يمكن لله أن يأمر بفعل هو قبح فيذاته، ففي تجويز وقع القرح من الله قبح عند النظام. كما أن الشرع لم يحكمفي جميع المسائل التى اعترضت حياة الإنسان و استعمال المشرع للعقل لإدراكالخير و الشر، في الأمور التى لم يرد فيها نص، دليل على ان الخير و الشريدركان بالعقل. و يرفض المعتزلة بذلك فكرة أن يتوقف المشرع عند حد القياسالتى دعا إليها بعض العلماء المسلمين، بل يمكنه أن يتعدى ذلك الى أمور ليسلها اصل تقاس عليه.
لكن إذا كان الإنسان قبل ورود الشرع يتصور الخير و الشر، فانه لم يكنقادرا على التصديق بهما. و المطلوب في الشرع ليس تصور أو إدراك الحسن والقبح، و لكن التصديق بهما.
هذا ما ذهبت إليه الأشعرية التى تمثل الموقف المقابل للمعتزلة في مسألةالحسن و القبح في الإسلام. فالحسن عندهم ما أمر به الشرع، و القبح ما نهىعنه. فلو عكس الشرع الأمر، فأمر بالكذب، و نهى عن الصدق، لكان الكذب حسناو الصدق قبحا. فالحسن و القبح ليسا ذاتيين كما يعتقد المعتزلة، بل همااعتباريان، و إلا لم يتخلفا و لم يتوقفا على شروط. فالقتل قد يكون حسناإذا كان دفاعا عن الشرف، وقبحا إذا كان اعتداء على ضعيف. إن الخير و الشريتبدلان تبعا للظروف، و الناس يستحسنون و يستقبحون تبعا للشرائع. كذلك رأىالأشعرية أن قول المعتزلة أن الخير و الشر قبليان، وأن الله حدد الأوامر والنواهي لما في الأعمال من خير و شر في ذاتها، هو إنكار لإرادة الله الحرةفي الاختيار. و الله فوق أ يتقيد بأي قانون أو شرط. أما في مسألة المشرع،فإن الأشعرية يرون أن المشرع يرجع دائما الى القرآن و السنة لاستخلاصالأحكام منهما، وهذا يدل على أن الإنسان لا يحكم على الفعل أنه خير أو شرإلا إذا رجع فيه الى الشرع.
ما لا نفهمه من موقف الشعرية قولهم أن فكرة أحكام الشرع تتحقق مع العقل، إنكار لقدرة الله المطلقة.
أن هذا العقل الذي ميز الله به الإنسان عن بقية الحيوانات، من خلقه هو،خلق الإنسان، وأودع فيه شيئا من حكمته. وطبيعي أن تتفق أحكامه الشرعية معأحكام العقل. أما فيما يخص الكذب الذي يصبح حسنا، كما في حالة الكذب علىالمريض، فإن الحسن العارض لا ينافي القبح الذاتي.
وهكذا لا يمكن أن يكون مصدر القيمة الأخلاقية الشرع وحده، على أساس أنالإنسان كان يجهل الخير و الشر، إذ هناك من الأعمال ما اشمأزت منهاالنفوس، و نفرت منها القلوب حتى قبل مجيء الشرع. مما يدل على أن الإنسانبطبيعته يمكنه أن يعرف الخير و الشر.
غير أن مجيء الدين أكد القيم الأخلاقية، و أعطى لها صفة شرعية تجعل المرءيصدق بها تصديقا لا شك فيه. فبعد أن كان يتردد بين ما يراه حسنا بعقله، وبين ما يراه المجتمع قبيحا، جاء الشرع و حسم الأمر، فأصبح ما يأمر به هوالخير الذي لا يناقش، و ما ينهى عنه هو الشر الذي لا يناقش أيضا./إن الدينالإسلامي أشاد بالعقل، ورفع من شأنه، فلا تناقض بين الدين و العقل بلالدين و العقل إذا تعاونا معا، كانا مصدرين للتمييز بين الحق و الباطل. وليس هناك ما يمنع القول بأن الحسن ما وافق الشرع و العقل معا، والقبح ماخالف الشرع و العقل معا.
و قد نعم.ن رابعة بن معبد رضي الله عنه أنه قال:" أتيت رسول الله (ص)فقال: جئت تسأل عن البر؟.فقلت نعم.قال: البر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، و الإثم ما حاك في النفس و تردد في الصدر، وإن أفتاكالناس و أفتوك". و هذا تأكيد من الرسول (ص) أنه لا فرق بين ما يأمر بهالشرع، وما تدركه النفس من أمور البر و التقوى.
وتجدر الإشارة هنا الى أن بعض الأشاعرة أنفسهم لم ينكروا أهمية العقل كعامل مساعد للشرع.
الخاتمة:و هكذا نستنتج أن العقل و الشرع مصدران مهمان من مصادر الحكم علىالأفعال إذا كنا نحكم على الأفعال أنها خير أو شر بعقولنا، فإن بالشرعنصدق أحكام العقل.
ما دور اللغة في تمكين الناس من التواصل؟
مقدمة: تعتبر اللغة من اغرب الظواهر عندالأفراد.الكلام ميزة إنسانية يختلفبها الإنسان عن باقي الكائنات الأخرى، حتى قيل: (الإنسان حيوان متكلم )فبهذه القدرة على الكلام وعلى استعمال الرموز والإشارات يتمكن الإنسان منالاتصال بغيره من أفراد جنسه فتكون اللغة أداة تواصل أساسية بين الأفرادوهي تحقيق التفاهم بينهم وتساعدهم في حفظ الماضي وفي نقله إلى الغير فماطبيعة اللغة ؟ وما دورها في أحداث عملية الاتصال بين الأفراد.
التحليل:إن أهم ما يميز اللغة هو أنها منظومة أو نسق من الرموز يصلح وسيلةالاتصال، ففي اللغة تتحد الصورة اللفظية أو الصوتية وهو ما يعرف بالدالبما يتمثلها ذهنيا وهو ما يعرف بالمدلول فتقوم اللغة على وجود الجانبالمادي المتمثل في الألفاظ والجانب الروحي أو الذهني والمتمثل في الأفكارأو المعاني وذلك شبيه بورقة نقدية وجهها هو اللفظ أو الدال وظهرها هوالفكرة أو المعنى، فكلما ذكر اللفظ قام في الذهن معناه وكلما قام المعنىفي الذهن معناه وكلما قام المعنى في الذهن لازمه تمثل اللفظ الدال عليهوهذا ما يعرف بالدلالة اللغوية كدلالة المطابقة ودلالة التضمن ودلالةالالتزام، إلا أن هذه الضرورة التي تحمل اللفظ دلالة ثابتة لا تعني وجودضرورة ذاتية بين الدال والمدلول يبقى ربطا تعسفيا أي عدم وجود ضرورة ذاتيةبين الإشارة اللفظية والمشار إليه، وهذا ما يجعل اللغة مجرد نسق رمزي حيثيقول هنري دو لاكروا: (اللغة هي جملة من الاصطلاحات تتبناها هيئة اجتماعيةما لتنظم بواسطتها عمل التخاطب بين الأفراد ) فاللغة وان كان يكتسبهاالفرد فإنها عمل اجتماعي.ويقول دو لاكروا أيضا: (إن الجماعة هي التي تعطيللإشارة اللغوية دلالتها وفي هذه الدلالة يلتقي الأفراد ).
إن البحث في وجود اللغة ودورها في إحداث عملية التواصل يقودها بالضرورةإلى البحث في منشأ أو اصل اللغة، وهي مسالة شغلت الفكر البشري منذ القديم،وان كانت الاختلافات حول هذه المسالة كثيرة فان أهمها اتجاه يرجع اللغةإلى التواضع والاصطلاح أمثال: ابن سينا، جون لوك، أوغست كونت، بحجة أنالحيات البدائية سادتها الإشارات الطبيعية والانفعالية ثم تطورت إلىإشارات إرادية متفق عليها.وما زال الإنسان يتواضع مع غيره إلى يومنا هذافي مختلف المجالات، لكن اتجاه آخر يعتبر أن تعلم اللغة يفترض وجود هذهاللغة من قبل بمعنى أن كل تواضع يحتاج إلى لغة سابقة.
لهذا يتصور أن بداية اللغة كان مع بداية الخلق، وهو رأى ابن جزم ورجالالدين إذ يعتبرون الوحي مصدر اللغة باعتبار أن الإنسان ليس بإمكانه أنيبدع لغة لان كل إبداع للغة يقتضي لغة سابقة ولهذا يقول ابن جني في كتابهالخصائص: (أن أكثر أهل النظر اجمعوا على أن اصل اللغة إنما هو تواضعواصطلاح لا وحي وتوقيف إلا أن أبا علي ) (رحمة الله عليه قال لي يوما:هيمن عند الله واحتج بقوله سبحانه:وعلم آدم الأسماء كلها ) وان كان الاختلافقائما حول مصدر وجود اللغة فانه من المؤكد أن اللغة قد عرفت تطورا كبيراوانتقالا نوعيا حيث انتقل الإنسان من استعمال اللغة الطبيعية وهي التي لمتنشا على اتفاق مقصود بل صادرة عن الغريزة والفطرة إلى استعمال اللغةالمنطقية وهي الأكثر تجريدا والمتفق على وضعها مثل لغة العلم كالجبروالكيمياء.. وهكذا فان التفاهم والتواصل يقتضي أن تحدد عقلية الجماعة وهوما تحدثه اللغة.
أن قيمة اللغة متأتية من كونها تفرض على الأفراد الذين يتكلمونهالحضارا،همم جماعة موجدة تتجانس ألسنتهم وعقليتهم فيشكلون و، فاللغةرية خاصة لأنكل وحدة لغوية تعبر عن وحدة حضارية.كما يقول دو لاكروا وهكذا تتعدد اللغاتفتتعدد الجماعات وتتعدد الحضارات، واللغة المتطورة تدل على تطورالمجتمعاتالكلية.ا، فاللغةة تؤدي خدمات كثيرة وهامة للمجتمع إلا أنهاأحيانا قد تكون خطرة على الفكر في حالة عجزها عن مسايرتها كما قد تكونعائقا أمام التطور والتقدم في حالة تخلفها إلا أن المشكل الكبير في اللغةهو أن كل لغة خاصة بجماعة ما مما أشكالا حول اتصال هذه الجماعةبالأخرى.وهذا ما دفع بعض الباحثين إلى التفكير في لغة عالمية وكان ليبنزمن الفلاسفة الذين عززوا فكرة اللغة العالمية أو الكلية.وهي فكرة تدعمأكثر لغة الاسبرنتو (لغة تقوم على مقاطع أصلية دولية أكثر ذيوعا )
الخاتمة:إن اللغة عمل اجتماعي، يطبع لسان كل فرد من أفراد الجماعة،فالجماعة هي التي تحدد دلالة اللغة وفي هذه الدلالة يلتقي الأفراد، فالفرديكتسبها بالتدريب ثم ينقلها إلى غيره.فإذا كان الفرد لا يمكنه أن يكونهاوحده.فانه لا يمكنه أن يستغني عن استعمالها كلما تمكن من تحقيق التواصلبشكل أحسن ولهذا مازال الناس يتواضعون على المصطلحات العلمية وغيرها مناجل التواصل والتفاهم بشكل أفضل و أدق.
المسيلي- عدد الرسائل : 78
تاريخ التسجيل : 31/01/2010
نقاط : 5321
رد: مقالات فلسفية رائعة
هل تؤسس العدالة على مبدأ المساواة أم التفاوت؟
مقدمة:
من الحقائق الفلسفية نجد لها سندا في الواقع أنالإنسان هو الكائن الوحيد القادر على إحاطة نفسه بمجموعة من القيم ومن هذا المنطقيختلف الناس في علم التقدم والتخلف تبعا لمضمون القيم التي يؤمنون بها ويدافعونعنها وعن البيان أن العدل هو أشرف وأرفع هذه القيم فإذا علمنا أن المساواة مطلبإنساني وتفاوت حقيقة واقعية.
- هل يؤسس العدل على مبدأ المساواة أم تفاوت؟
الرأي الأول:
تجسيد العدالة الاجتماعية وتتجلى في مفهوم العدل فياحترام التفاوت بين الناس وهذا ما ذهب إليه أنصار الطرح شاع هذا الطرح في الفلسفةاليونانية حيث رسم أفلاطون صورة المجتمع العادل وفي نظره أنه يتألف من طباق أنالقوة العاقلة هي التي يجب أن تتحكم وتسيطر على قوى الغضبية والشهوانية وكذلك العدلأن نحترم تفاوت الطبقات فالفلاسفة أولا ثم الجنود والعمال وأخيرا طبقة العبيد وتحدثتلميذ أرسطو على أن العدل هو عبد مؤهلاته الطبيعية لا يمكن أن يرتقي إلى مرتبةالسيد قال في كتابه السياسة الاسترقات ضرورة طبيعية ومن أشهر الأنظمة الاقتصاديةالتي دافعت عن التفاوت الليبرالية وهي نظام طبقي طبقة تملك وسائل الإنتاج ولاتستعملها بنفسها وطبقة تملك هذه الوسائل وتستعملها وطبقة تملك الجهد فقط هذاالتفاوت الطبقي هو بمثابة الحافز فمن العدل أن يدافع عن التفاوت لأن الكل سيسعى حسبظروفه الاقتصادية واجتماعية وأكد طبيب بيولوجي تاريل أن الطبيعة جعل الكائنات الحيةطبقات بعضها أفضل من البعض وإنه إذا أردنا تحقيق العدالة الاجتماعية يجب أن نشجعبقاء طبقات قال في كتابه الإنسان ذاك المجهول لا مفر من أن تصبح الطبقات الاجتماعيةمرادفة للطباع البيولوجية يجب أن نساعد أولئك الذين يملكون أفضل الأعضاء والعقولعلى ارتفاع اجتماعي فكل فرد ينبغي أن يحصل على مكانه الطبيعي والحقيقة أن أنصار هذاالرأي اعتمدوا على حجج العقلية ومنه قوله تعالى:<<ورفعنا بعضهم فوق بعضدرجات>> هذا التفاوت هو قيمة العدل لأن الأفراد في حاجة إلى بعضهم البعضوملخص هذه الأطروحة أن تفاوت ظاهرة اجتماعية وطبيعية يجب الدفاععنها.
النقد:
لكن التفاوت إذا كان باسم العرف أو الدين سيتحول إلى عنصرتهوهذه الصفة تعاكس العادة الاجتماعية.
الرأي الثاني:
عند أنصار هذهالأطروحة حقيقة العدل تتجلى في احترام مبدأ المساواة بين الناس شاع هذا الطرح فيالفكر الإسلامي قال محمود يعقوبي: الناس سواء أن ليس هناك شيء أشبه بالإنسان منالإنسان لنا جميعا عقل وحواس وإن اختلفنا في العلم فنحن متساوون في القدرة علىالتعلم ومن الذين دافعوا عن الفكرة المساواة أنصار الفلسفة الماركسية وفي هذا قاللينينا الشيوعية هي نظام اجتماعي لا طبقي له شكل واحد للملكية العامة لوسائلالإنتاج والمساواة الاجتماعية الكاملة بين جميع أفراد المجتمع والاشتراكيةالإيديولوجية عرفت بدفاعها عن العدالة الاجتماعية من منطلق الروح تدل على النزعةالفردية ودرب يردون التفاوت في الحقوق باسم التركيبية العضوية والعقلية فقال هناكتفاوت جسمي وعقلي لا يمكن للمجتمع ولا للتعمير المذهب لكن لهذا التفاوت الحتمي أنيتحول إلى عنوان للنبل بالنسبة للبعض وذكاءه بالنسبة للبعض الآخر وطالب باكونينبالمساواة في حرية التعبير أي الحرية السياسية فقال لست في الحقيقة حرا إلا يومتكون كل الكائنات حرة نساء ورجال...فأن لا أصير حرا إلا بحرية الآخرين والخلاصة أنالمساواة شرط أساسي لقيام العدالة الاجتماعية.
نقد:
ما يعاب على هذاالرأي هو تركيزه على المساواة في الحقوق بينما الواقع يثبت وجودا التفاوت في العمالومنه لا يمكنه الأخذ دائما بالمساواة .
التركيب:
إن المقاربة الفلسفيةالسليمة لإشكالية العدل ترفعنا للوقوف أمام أسباب الظلم لفهمه وتجاوزه قال أرسطوتنجم الخصومات والاعتراضات عندما لا يحصل أناس متساوون على حصص متساوية أو عندمايحصل أناس غير متساوين على حصص متساوية ومنه يؤسس العدل على ضرورة التناسب بينالحقوق والواجبات والمقصود هنا حسب العفوية هو إتاحة الفرصة أمام جميع المواطنينلكي ينفي كل أسباب المواطنة الطبيعية وعندئذ تكون الكفاءة هي معيار الاستحقاقالفعالية هي مقياس التكلف بالمسؤوليات أي للمساواة مجالها وللتفاوت المكانة الخاصةبه.
الخاتمة:
الدارس لموضوع العدالة الاجتماعية يلمس حقيقة في غايةالوضوح هي أن العدالة من المواضيع الاجتماعية والسياسية والأخلاقية التي طرحت أكثرمن سؤال وكانت لا تزال بحق فحسب التقييم الفلسفي سواء من حيث ضبط المفهوم الماهيةأو البحث عن أساليب تطبيق العدالة الاجتماعية في أرض الواقع وفي مقالنا هذا تعممنافي فكرة التفاوت من خلال بعدها الفلسفي مع أفلاطون وأرسطو وبعدها الإيديولوجي معنزعة الليبرالية حملة مصطلح المساواة في فكرة شيشرون ومرودون والمذهب الاشتراكيومنه نستنتج أن العدل يرتكز على المساواة في الفرض وتفاوت في امتيازاتالنتائج.
هل يمكن تحقيق الاستقرار في ظلالديمقراطية الاجتماعية؟
مقدمة:
وصف الفلاسفة الإنسان منذ القديمبأنه كائن مدني بطبعه فحياته لا تقوم و لا تستمر إلا في ظل وجود سلطة تحكمه حتى أنأرسطو اعتبر الدولة من الأمور الطبيعية و الواقع أن استقرار التاريخ يجعلنا نميزبين نظامين: نظام حكم فردي يعتمد على الفصل بين السلطات و آخر جماعي يدافع عنالديمقراطية فإذا علمنا أم المذهب الليبرالي يتبنى الديمقراطية السياسية و أنالاشتراكية تؤمن بفكرة المساواة الاجتماعية فالمشكلة المطروحة *هل تستطيعالديمقراطية السياسية تحقيق الاستقرار السياسي؟ أم أنه لا يمكن تصور الديمقراطيةإلا في ظل المساواة الاجتماعية؟
الأطروحة الأولى:
ربط أنصار المذهبالليبرالي بين الديمقراطية و فكرة الحريات الفردية و هذا المذهب هو نظرية فيالسياسة و الاقتصاد كما ذهب إلى ذلك ماكس فيبر و أصحابها ينظرون إلى العمل السياسيمن زاوية المشاركة السياسية و حق المعارضة و هذا ما عبر عنه هانري مشال بقوله (الغاية الأولى للديمقراطية هي الحرية) و من الناحية الفلسفية ترتبط الديمقراطيةالسياسية بفلسفة التنوير تلك الفلسفة التي رفعت شعار (لا سلطة على العقل إلا العقل) و تجسدت هذه الفكرة بوضوح في فلسفة هيقل الذي قال الدولة الحقيقية هي التي تصل فيهاالحرية إلى أعلى مراتبها ) و القصد من ذلك أن جوهر الديمقراطية قائم على حرية إبداءالرأي و احترام الرأي المخالف وواجب السلطة هو حماية الحريات المختلفة ( السياسة والاقتصادية و الاجتماعية و الفكرية) و في هذا السياق تظهر أفكار سبينواز الرافضةلفكرة التخويف التي تعتمد عليها الأنظمة الاستبدادية و هو يرى أن السلطة الحقيقيةهي التي تحمي حرية الفكر و تضمن المشاركة السياسية للأفراد و من الناحية التاريخيةتعتبر الثورة الفرنسية 1789 في نظر رجال الفكر و التاريخ أكثر الثورات التي حملتلواء الديمقراطية السياسية و خاصة دفاعها عن المساواة السياسية كما ذهب جفرسون فيصياغته للدستور الأمريكي إلى المطالبة الحكومات الديمقراطية بحماية حق الأفراد فيالحياة و التفكير و يمكن القول أن الديمقراطية السياسية تتميز بجملة من الخصائصأهمها :حرية الصحافة بجميع أشكالها و كذا تبني خيار التعددية الحزبية و الحق فيالمعارضة السياسية ،و ترقية و حماية الحريات الفردية المختلفة و الدفاع عن حقوقالمرأة و الطفل باعتبار الإنجاب الوسيلة الوحيدة للوصول إلى السلطة أو البقاء فيهاكل هذه المبادئ، اختصرها كليسونفي مقولته: إن فكرة الحرية هي التي تحتل الصدارة فيالإديولوجيا الديمقراطية و ليست المساواة.
نقد:
إن فكرة الحرية السياسيةالتي دافع عنها المذهب الليبرالي محدودة ما دامت السلطة السياسية في أيدي أصحابالنفوذ الماليو الإعلامي.
نقيض الأطروحة
: ذهب أنصار مذهب الاشتراكية إلىاعتبار المساواة الاجتماعية أساس الديمقراطية، و هذا المذهب ظهر كرد فعل ضد التطرفالإديولوجيا الليبرالية و في هذا المعنى قال فريدير أنجلرSad الاشتراكية ظهرت نتيجةصرخة الألم و معاناة الإنسان ) و ذلك أن الديمقراطية السياسية لم تنجح في خلق عدالةإجتماعية و بدل الدفاع عن المساواة بين الأفراد جسدت الطبقية في أوضح صورها بين منيملك و الذي لا يملك مما دفع أناتول فرانس إلى القول الذين ينتجون الأشياء الضروريةللحياة يفتقدنها و هي تكثر عند اللذين لا ينتجونها ) و من هذا المنطلق رفع كارلماركس شعارا(يا عمال العالم اتحدوا) و ما يمكن قوله أن الديمقراطية الاجتماعية التيدافع عنها أنصار هذه الأطروحة ترمي إلى ربط بين العمل السياسي و العدالةالاجتماعية، يمكن القول أن الديمقراطية الاجتماعية التي دافع عنها أنصار الأطروحةترمي إلى الربط بين العمل السياسي و العدالة الاجتماعية و من أجل تحقيق هذا الهدفاعتمدت على مجموعة من المبادئ أهمها الاعتماد على سياسة الحزب الواحد و هذا الحزبيلعب دور الموجه و المراقب و مهمته الأساسية خلق الوحدة الوطنية من خلال تركيز جميعالجهود في مسار واحد بدل تشتيت القوي كما هو حاصل في الديمقراطية السياسية و منالمنطلق أن الاشتراكية خيارا لا رجعة فيه (يسمح بوجود معارضة سياسية ) بل كل مايعارض فكرة الديمقراطية الاشتراكية يصنف في خانة أعداء الثورة. إن جوهر العملالسياسي هو خدمة الجماهير و إزالة الفوارق الطبقية من خلال إلغاء الملكية الفردية وتجسيد فكرة التملك الجماعي فالديمقراطية الاجتماعية تهدف إلى ضرورة الانتقال منالمرحلة الاشتراكية إلى المرحلة الشيوعية التي تتجسد فيها المساواة الكاملة و فيهذا المعنى قال لينين في بيان الحزب الشيوعي (الاشتراكية نظام لا طبقي له شكل واحدالملكية العامة لوسائل الإنتاج و المساواة الاجتماعية الكاملة بين الأفراد و ملخصالأطروحة أن الديمقراطية الاجتماعية ترى أن المساواة الاجتماعية هي التي يجب أنتحتل الصدارة في العمل السياسي و ليست فكرة الحرية.
نقد: ما يعاب علىالديمقراطية الاشتراكية الفصل بين النظرية و التطبيق فبدل تحقيق المساواة و العدالةالاجتماعية تحول العمل السياسي إلى خدمة أفراد الحزب الواحد مما عجل سقوط الأنظمةالاشتراكية.
التركيب:
ذهب لاكومب في تحليله لمسألة الديمقراطية أنهاتتضمن الحرية و المساواة لأن الحرية التي تطالب بها الديمقراطية هي حرية الجميع دوناستثناء فالمسألة هنا يجب النظر إليها من زاوية الكيف و ليس الكم و هذا ما أكد عليهمبدأ الشورى في الإسلام و الذي جاء القرآن الكريم بصيغة الأمر قال تعالى: (وشاورهمفي الأمر) فالشورى تشترط الحوار و الحوار يدل على الحرية (و أمرهم شورى بينهم) و منالناحية التاريخية تضمن مفهوم الديمقراطية منذ نشأته مفهوم المساواة و الحرية قالبريكليس (إن السلطة عندنا ليست مسيرة لصالح الأقلية بل هي لصالح الجماهير و منه أخذنظامنا اسم الديمقراطية) .
الخاتمة:
و مجمل القول أن الديمقراطية من حيثالاشتقاق اللغوي تتضمن فكرة الإرادة الجماعية لأنها حكم الشعب نفسه بنفسه فهي تتضمنمفهوم الرضا و القبول لأن السلطة الحاكمة تمارس وظيفتها باسم الشعب غير أن هذاالمفهوم يتضمن إشكالية فلسفية حول الأساس الذي يجب أن تبنى عليه الممارسةالديمقراطية هل هو الحرية أم المساواة و من ثمة كانت هذه الإشكالية جدلية في المقامالأول و هي تعبر عن التضارب الفكري بين الإديولوجيا الليبرالية و الاشتراكية غيرأنه من خلال التحليل الفلسفي الذي قمنا به توصلنا إلى هذا الاستنتاج: الديمقراطيةالحقيقية هي التي تأسس على منطق المساواة و الحرية معا .
الإشكال:هل كل ما لا نفهمه من السلوك الشعوري يمكن رده إلىاللاشعور؟
إن القول بأن الإنسان كيان مادي والبحث في ماهيته على هذا الأساسأمر
يتعارض والحقيقة حيث أن هناك جانب آخر يجب مراعاته ألا وهو الجانبالنفسي
فالإنسان ينطوي على كيان داخلي يشعر من خلاله ويعي به تصرفاته، وإذاسلمنا
أن الإنسان يعيش حياة نفسية شعورية فإن هذا التسليم يدفعنا إلى التقريربأن
جميع تصرفاته شعورية لاغير ولكن ما هو ملاحظ عند الإنسان العادي أنهيسلك
سلوكات في بعض الأحيان ويجهل أسبابها فهل هذا يعني أن الإنسان يعيشحياة
نفسية شعورية فقط ؟ أو بالأحرى هل يمكن القول بأن سلوكات الفرد شعوريةفقط
؟ وإذا كان العكس فهل هذا يعني أن هناك جانب آخر للحياة النفسية ؟.
إنتصرفات الإنسان جميعها نردها للحياة النفسية الشعورية فقط، كما يزعم
أنصارالاتجاه الكلاسيكي الذي ظهر في عصر النهضة الأوربية الفيلسوف الفرنسي
ديكارتالذي يقولإن الروح أو الفكر تستطيع تأمل أشياء كثيرة في آن واحد
والمثابرة فيتفكيرها وبتأمل أفكارها كلما أرادت ذلك، والشعور من ثمة بكل
واحدة منها) حيث يرىبأن ما هو عقلي هو بالأساس شعوري، ورفض إمكانية قبول
وجود عمليات عقلية غيرمشعور بها أي لا واعية مادامت كلمة عقلي تعني شعوري
فلا يمكن أن يكون هذا عقليولا نشعر به، وقد أخذ بهذا الرأي كل من هوسرل
وجون بول ستارت حيث نجد هوسرل يقولفي كتابه (تأملات ديكارتية)كل شعور هو
شعور بموضوع ما أو شيء من الأشياء بحيث لايبقى هناك فاصل بين الذات
والموضوع).وبمعنى هذا أن التفكير عن الكلاسيكيين هو مانشعر به ونعيه من
عمليات عقلية ولذلك اعتبر ديكارت أن أساس إثبات خلود النفسقائم على الشعور.
ونجد من المسلمين من تطرق لهذا الموضوع هو بن سينا الذي اعتبرأن أساس
إثبات خلود النفس هو الشعور وأن الإنسان كما يقول(إذا تجرد عن تفكيره فيكل
شيء من المحسوسات أو المعقولات حتى عند شعوره ببدنه فلا يمكن أن يتجردعن
تفكيره في أنه موجود وأنه يستطيع أن يفكر)،ومعنى هذا أن الشعور يعتبرأساسا
لتفسير وتحديد العالم الخارجي نظرا لما يتضمن من عمليات عقليةمتعددة
ومتكاملة .
إن الإنسان يدرك ذاته إدراكا مباشرا فهو يدرك تخيلاته وأحاسيسه بنفسه إذا
لا يوجد في ساحة النفس إلا الحياة الشعورية .
إن هذا الرأيأثار اعتراضا لدى الكثير من الفلاسفة وعلى رأسهم :فرويد،فرينك
لايبنتز، وهذاالأخير يقولإنني أوافق أن الروح تفكر دوما ولكن لا أوافق
أنها تشعر دومابأفكارها).كذلك كيف نفير بعض السلوكات التي تصدر من الإنسان
ولا يعي أسبابها كماأننا نتصرف أحيانا تصرفات لا نعي أسبابها ولا يمكننا
إدراجها في ساحة الشعورلأننا لا نشعر بها وإذا كانت الحواس غير قادرة على
استيعاب العالم الخارجيفالشعور كذلك لا يمكنه احتلال ساحة النفس وحده.
وعلى عكس الرأي السابق نجد أنصارالاتجاه الذي يقر ويثبت اللاشعور وقد تبنى
هذا الموقف ما يسمى بفلاسفة ـ مدرسةالتحليل النفسي ـ وعلى رأسهم العالم
النفساني ذو الأصل النمساوي بسيجموند فرويدوقد استند إلى حجج وبراهين عدة
في ذلك منها الحجج النفسية المتعددة الأشكال (زلات القلم،فلتات
اللسان،إضاعة الشيء،النسيان المؤقت،مدلول الأحلام،الحب من أولنظرة)ويرى
فرويد أنه لا يمكن فهم كل منها بدون التسليم بفكرة اللاشعور ومنالأمثلة
التي يستشهد بها والقصص التي يرويها فرويد عن فلتات اللسان افتتاحرئيس
مجلس نيابي بقوله:<<أيها السادة أعلن رفع الجلسة>>وبذلك يكونقد عبر لا
شعوريا عن عدم ارتياحه لما قد تسفر عنه الجلسة،والخطأ عند فرويدظاهرة
بسيكولوجية تنشأ عن تصادم رغبتين نفسيتين إن لم تكن واضحة ومعروفةلدى
الشخص الذي يرتكب الهفوة،ومن أمثلة النسيان(أن شخصا أحب فتاة ولكنلم
تبادله حبها وحدث أن تزوجت شخصا آخر،ورغم أن الشخص الخائب كان يعرفالزوج
منذ أمد بعيد وكانت تربطهما رابطة العمل فكان كثيرا ما ينسى اسمزميله
محاولا عبثا تذكره وكلما أراد مراسلته أخذ يسأل عن اسمه)وتبين لفرويدأن
هذا الشخص الذي ينسى اسم صديقه يحمل في نفسه شيئا ضد زميله كرها أوغيرة
ويود ألا يفكر فيه أما الأحلام فهي حل وسط ومحاولة من المريض للحدمن
الصراع النفسي،ويروي المحلل النفسي فرينك: )أن إحدى المريضات تذكر أنهارأت
في الحلم أنها تشتري من دكان كبير قبعة جميلة لونها أسود وثمنهاغالي
جدا)فيكشف المحلل أن للمريضة في حياتها زوجا مسنا يزعج حياتها وتريدالتخلص
منه وهذا ما يرمز إليه سواد القبعة أي الحداد وهذا ما أظهر لفرويد أنلدى
الزوجة رغبة متخفية في التخلص من زوجها الأول،وكذا أنها تعشق رجلاغنيا
وجميلا وجمال القبعة يرمز لحاجتها للزينة لفتون المعشوق وثمنها الغالييعني
رغبة الفتاة في الغنى وقد استنتج فرويد من خلال علاجه لبعضالحالات
الباثولوجية أنه لابد أن توجد رابطة بين الرغبة المكبوتة فياللاشعور
والأغراض المرضية فهي تصيب وظائف الشخص الفيزيولوجية والنفسية ويقدمفرويد
مثال ـ الهستيريا ـ فصاحبها لا يعرف أنه مصاب بالهستيريا وهي تنطويعلى
أعراض كثيرة منها (فقدان البصر،السمع،أوجاع المفاصلوالظهر،القرحة
المعدية).ولهذا يؤكد فرويد مع بروير هذا الأمر حيث يقولبروير(كلما وجدنا
أنفسنا أمام أحد الأعراض وجب علينا أن نستنتج لدى المريض بعضالنشاطات
اللاشعورية التي تحتوي على مدلول هذا العرض لكنه يجب أيضا أن يكونهذا
المدلول لا شعوريا حتى يحدث العرض،فالنشاطات الشعورية لا تولد أعراضعصبية
والنشاطات اللاشعورية من ناحية أخرى بمجرد أن تصبح شعورية فإنالأعراض
تزول).ويمكن التماس اللاشعور من خلال الحيل التي يستخدمها العقل مندون
شعور كتغطية نقص أو فشل،ومن أمثلة التعويض أن فتاة قصيرة القامة تخففمن
عقدتها النفسية بانتعالها أعلى النعال أو بميلها إلى الإكثار منمستحضرات
التجميل حتى تلفت إليها الأنظار أو تقوم ببعض الألعاب الرياضية أوبلباس
بعض الفساتين القصيرة ويرجع الفضل في إظهار عقدة الشعور بالنقصومحاولة
تغطيتها إلى تلميذ فرويد آذلار ومنها ـ التبرير ـ فالشخص الذي لم يتمكنمن
أخذ تذكرة لحضور مسرحية ما قد يلجأ ل تبرير موقفه بإحصاء عيوبالمسرحية.و
يضيف فرويد قوله بأنه مادامت حواسنا قاصرة على إدراك معطيات العالمالخارجي
فكيف يمكننا القول بأن الشعور كاف لتفسير كل حياتنا النفسية .
رغم كلهذه الحجج والبراهين إلا أن هذا الرأي لم يصمد هو الآخر للنقد حيث
ظهرت عدةاعتراضات ضد التحليل النفسي وضد مفهوم اللاشعور خاصة،يقول الطبيب
النمساويستيكال أنا لا أومن باللاشعور فلقد آمنت به في مرحلته الأولى ولكن
بعد تجربتيالتي دامت ثلاثين عاما وجدت أن الأفكار المكبوتة إنما هي تحت
شعورية وان المرضىدوما يخافون من رؤية الحقيقة).ومعنى هذا أن الأشياء
المكبوتة ليست في الواقعغامضة لدى المريض إطلاقا إنه يشعر بها ولكنه يميل
إلى تجاهلها خشية إطلاعه علىالحقيقة في مظهرها الخام،بالإضافة إلى أن
فرويد لم يجر تجاربه على المرضى الذينيخافون من الإطلاع على حقائق مشاكلهم
وفي الحالات العادية يصبح كل شيء شعوري كمايقر بروير نفسه في قوله السابق
وكذلك أن اللاشعور لا يلاحظ بالملاحظة الخارجيةلأنه سيكولوجي ولا الداخلية
لأنه لا شعوري،إذَاً لا نلاحظه داخليا أو خارجيا فلايمكن بالتالي إثباته.
إن الإنسان يقوم في حياته اليومية بعدة سلوكات منها ما هومدرك ومنها ما هو
غير ذلك ومن ثم ندرك أن هناك مكبوتات لا يمكن التعرف عليها إلابمعرفة
أسبابها ولكن أن نرجع كل الحالات للاشعور فهذا ما لا ينبغي.
ونتيجةلما سبق يمكننا أن نقول أن الحياة عند الإنسان شعورية و لا شعورية
أن ما لا يمكنفهمه من السلوك الشعوري يمكن فهمه باللاشعور.
حين نتحدث عن اللبيد والجنس فلامناص من ذكر فرويد فقد كان يوجه اهتمامه
لهذه المسألة إلى درجة المبالغة والشذوذوكل ما كتبه يدور حول الغريزة
الجنسية لأنه يجعلها مدار الحياة كلها ومنبعالمشاعر البشرية بلا استثناء
يصل به الأمر إلى تقرير نظريته إلى حد أن يصبغ كلحركة من حركات الطفل
الرضيع بصبغة الجنس الحادة المجنونة فالطفل أثناء رضاعته ـكما يزعم هذا
الأخير ـ يجد لذة جنسية ويلتصق بأمه بدافع الجنس وهو يمص إبهامهبنشوة
جنسية،وقد جاء في <<بروتوكولات حكماء صهيون>>(يجب أن نعمل أنتنهار الأخلاق
في كل مكان فتسهل سيطرتنا...إن فرويد منا وسيظل يعرض العلاقاتالجنسية في
ضوء الشمس كي لا يبقى في نظر الشباب شيء مقدس ويصبح همه رواءغرائزه
الجنسية وعندئذ تنهار أخلاقه).(انظر كتاب المادية والإسلام)(عن كتابتنظيم
الإنسان للمجتمع)
الإشكال:هل العادة مجرد ميل أعمى أم أنها سلوك إيجابي؟
إن حياة الإنسان لا تقتصر على التأثر بل تتعداها إلى التأثير ويتم له ذلك
بتعلمه مجموعة من السلوكات بالتكرار وفي أقصر وقت ممكن والتي تصبح فيما بعد
عادات أو هي كما يقول أرسطو طبيعة ثابتة وهي وليدة التكرار،إن العادة تحتل
جانبا كبيرا في حياة الفرد ولهذا فقد اختلف الفلاسفة في تفسير العادة
وأثرها،ومن هنا يتبادر إلى أذهاننا التساؤل التالي:هل اكتساب العادات يجعل
من الإنسان مجرد آلة أم أنها تثري حياته؟،أو بالأحرى هل العادة مجرد ميل
أعمى أم أنها تمثل سلوك إيجابي في حياة الفرد؟.
يرى أصحاب الرأي الأول(جون جاك روسو،بافلوف،كوندياك).أن للعادة آثار سلبية
على حياة الأفراد،فهي تسبب الركود وتقضي على المبادرات الفردية والفاعلية
وتستبد بالإرادة فيصير الفرد عبدا لها فسائق السيارة الذي تعود على السير
في اليمين يواجه صعوبة كبيرة إذا ما اضطر إلى قيادة سيارته في اليسار ففي
مثل هذه الحالة تتعارض العادات القديمة مع العادات الجديدة،كذلك أنها تضعف
الحساسية وتقوي الفعالية العفوية على حساب الفعالية الفكرية،فالطبيب يتعود
على ألا ينفعل لما يقوم به من تشريحات والمعاينة المستديمة لمشهد البؤس
فيما يقول روسو(إن كثرة النظر إلى البؤس تقسي القلوب)،وقد نبه الشاعر
الفرنسي سولي برودوم: (أن جميع الذين تستولي عليهم قوة العادة يصبحون
بوجوههم بشرا بحركاتهم آلات)ثم إن العادة تقضي على كل تفكير نقدي إنها تقيم
في وجه الإنسان عقبة إبستيمولوجية خطيرة فالحقيقة التي أعلن عنها الطبيب
هانري حول الدورة الدموية في الإنسان ظل الأطباء يرفضونها نحو أربعين سنة
لأنهم اعتادوا على فكرة غير هذه ولقد بين برغسون بأن روتينات الأخلاق
المشتركة ما هي سوى المبادرات القديمة التي جاء بها الأبطال
والقديسون.وللعادة خطر في المجال الاجتماعي حيث نرى محافظة العقول
التقليدية على القديم و الخرافات مع وضوح البراهين على بطلانها إنها تمنع
كل تحرر من الأفكار البالية وكل ملاءمة مع الظروف الجديدة ،فالعادة إنما هي
رهينة بحدودها الزمنية والمكانية التي ترعرعت فيها وهذا ما جعل روسو
يقول(إن خير عادة للطفل هي ألا يعتاد شيئاً).
لكن رغم هذه الحجج لا ينبغي أن نجعل من هذه المساوئ حججاً للقضاء على قيمة
العادة فهناك قبل كل شيء ما يدعو إلى التمييز بين نوعين من العادات
(العادات المنفعلة والعادات الفاعلة).ففي الحالة الأولى الأمر يتعلق
باكتساب حالة أو بمجرد تلاؤم ينجم عن ضعف تدريجي عن الفكر،وفي الحالة
الأخرى يتعلق الأمر بالمعنى الصحيح لقيمة للعادة في الجوانب الفكرية
والجسمية ولهذا فإن للعادة وجه آخر تصنعه الإيجابيات.
على عكس الرأي الأول فإذا كانت العادة طبيعة ثابتة تقل فيها الفاعلية وتقوى
فيها العفوية والرتابة،إلا أن هذه الطبيعة المكتسبة ضرورية لتحقيق التلاؤم
والتكيف بين الإنسان وبيئته فلا يمكن لأي شخص أن يعيش ويتكيف مع محيطه دون
أن يكتسب عادات معينة ثم أن المجتمع ذاته لا يمكن أن يكون دون أن يفرض على
أفراده مجموعة من العادات التي ينبغي أن يكتسبوها كلهم،ومثال ذلك أن يتعلم
الضرب أو العزف على آلة موسيقية أخرى وقد بين*آلان*في قولهإن العادة تمنح
الجسم الرشاقة والسيولة).وإن تعلم عادة معينة يعني قدرتنا على القيام بها
بطريقة آلية لا شعورية وهذا ما يحرر شعورنا وفكرنا للقيام بنشطات أخرى فحين
نكتب مثلاً لا ننتبه للكيفية التي نحرك بها أيدينا على الورقة بل نركز جل
اهتمامنا على الأفكار،إذاً فإن عاداتنا أسلحة في أيدينا نستعملها لمواجهة
الصعوبات والظروف الأخرى،وكذلك نجد من تعلم النظام والعمل المتقن والتفكير
العقلاني المنطقي لا يجد صعوبات كبيرة في حياته المهنية على خلاف غيره من
الأشخاص وكل هذا يجعلنا نقر بإيجابية العادة.
بالرغم من إيجابيات العادة إلا أنها تشكل خطراً عظيما في بعض الأحيان،وهذا
ما نبه إليه رجال الأخلاق الذين لهم تجارب عدة في تبيين سلبيات العادة
فنبهوا مراراً على استبداد العادة وطغيانها،فمن تعلم عادة أصبح عبدا
لها،وعلى الرغم من الفوائد التي تنطوي عليها فإن لها أخطار جسيمة.
إن العادة تكون إيجابية أو سلبية وفقا لعلاقتها بالأنا،فإذا كانت الأنا
مسيطرة عليها فإن العادة في هذه الحالة بمثابة الآلة التي نملكها ونستعملها
حينما نكون بحاجة إليها وقت ما نريد،لكن العادة قد تستبد بالأنا(الإرادة)
فتكون عندئذ عائقا حقيقيا ومن ثم يكون تأثيرها سلبيا بالضرورة.
وخلاصة القول أن السلوك الإنساني مشروط بمجموعة من العوامل الفطرية
والمكتسبة و تشكل العادة أهم جانب من السلوك المكتسب،ولتحقيق التوافق بين
الشخص ومطالب حياته المادية و المعنوية أو هي كما يقول شوفاليإن العادة هي
أداة الحياة أو الموت حسب استخدام الفكر لها) أو بتعبير أحسن أن يستخدمها
الفكر لغاياته أو أن يتركها لنفسها.
الإشكال:هل الحرية حالة شعورية أم هي عمل التحرر؟.
يرى بعض المفكرين أن الحرية هي تجاوز أي إكراه داخلي أو خارجي،داخلي يتمثل
في الرغبات والشهوات والميول والحاجات النفسية البيولوجية وخارجي يتمثل في
الحتميات الطبيعية والاجتماعية لذا نتساءل هل يكفي المرء أن يشعر أنه حر
ليكون حراً حقاً أم أن الحرية ممارسة وفعل في الواقع اليومي؟.
بالنسبة لبعض الفلاسفة إن تجربتنا الشعورية الداخلية دليل كاف على أننا
أحرار ففي رأي المعتزلة(أن الإنسان يحس من نفسه وقوع الفعل فإذا أراد
الحركة تحرك وإذا أراد السكون سكن)،ومعناه أن الأفعال التي يقوم بها إنما
يمارسها بإرادته الحرة حسب الظروف التي تلامسه وفي هذا يقول ديكارتإننا
واثقون من حريتنا لأننا ندركها إدراكا مباشراً بل نحدسها حدساً)،حيث يرى أن
إحساس الإنسان الداخلي بالحرية ـ الواضحة والمتميزة ـ دليل كاف على حريته
يقول لوسينكلما أبحث في نفسي عن القوة التي تقيدني كلما أشعر أنه ليست لدي
أية قوة غير إرادتي ومن هنا أشعر شعوراً واضحاً بحريتي)،ولكن مثل هذا القول
لا يمكن أن يصمد للنقد ذلك أن الإرادة من الناحية الفلسفية باعتبارها العلة
الأولى قوة سحرية والأخذ بها فيه كثير من المبالغة كذلك أن الشعور وحده
يمكن أن يكون وهما خداعا لأننا نجهل الحتميات التي نخضع لها خضوعا داخليا
أو خارجيا سواء كانت نفسية أو طبيعية أو اجتماعية وهذا تكفل بسيادة عدد
كبير من المفكرين في العصر الحديث.
لقد حاول بعض الفلاسفة من الذين أدركوا المشكلة أن يزيحوا النقاب عن سر
اللغز فالرواقيون يرون أن العالم يخضع لقوانين ثابتة أي أنه يسير حتما
بمقتضى العلة والمعلول،وأن الكائن الإنساني الموجود في هذا العالم ليس حر
لأنه لا يمكن أن يكون حراً بالإرادة في عالم مجبر غير أن الإنسان ذو طبيعة
عاقلة و إذا أراد التحرر والسعادة فلا بد أن يعيش على وفاق الطبيعة بكل ما
تنطوي عليه هذه الكلمة من معان أي على وفاق مع قانون الطبيعة الذي يسيّر
العالم ويعيش حسب طبيعته العاقلة فيسير المرء في حدود ما يرشد إليه العقل
خاضعا لقوانين الكون المعقول فالقضية هي قضية حرب بين العقل والشهوات
فينتصر العقل إذن الحرية ليست معطى أولي ولا فضل من الطبيعة إنها تكتسب على
ضوء ما تملي به الطبيعة الإنسانية الحقيقية وتحررنا يقاس بضعف أو قوة
أعمالنا وإنجازاتنا و مجهوداتنا المبذولة فلا بد من قبول الضرورة إذن،كما
تقبل الأسطوانة الدوران وفي نفس الاتجاه يرى سبينوزا أن أفعال الإنسان مجرد
ظواهر آلية إذن فهو ليس حراً ولكن ليس معنى ذلك أن فيلسوفنا يلغي الحرية
وإنما يرى الحجة في قبول النظام الرياضي للكون والقوانين العقلية المسيرة
للحوادث فكلما ازداد العقل علما كما يقول ازداد ف
مقدمة:
من الحقائق الفلسفية نجد لها سندا في الواقع أنالإنسان هو الكائن الوحيد القادر على إحاطة نفسه بمجموعة من القيم ومن هذا المنطقيختلف الناس في علم التقدم والتخلف تبعا لمضمون القيم التي يؤمنون بها ويدافعونعنها وعن البيان أن العدل هو أشرف وأرفع هذه القيم فإذا علمنا أن المساواة مطلبإنساني وتفاوت حقيقة واقعية.
- هل يؤسس العدل على مبدأ المساواة أم تفاوت؟
الرأي الأول:
تجسيد العدالة الاجتماعية وتتجلى في مفهوم العدل فياحترام التفاوت بين الناس وهذا ما ذهب إليه أنصار الطرح شاع هذا الطرح في الفلسفةاليونانية حيث رسم أفلاطون صورة المجتمع العادل وفي نظره أنه يتألف من طباق أنالقوة العاقلة هي التي يجب أن تتحكم وتسيطر على قوى الغضبية والشهوانية وكذلك العدلأن نحترم تفاوت الطبقات فالفلاسفة أولا ثم الجنود والعمال وأخيرا طبقة العبيد وتحدثتلميذ أرسطو على أن العدل هو عبد مؤهلاته الطبيعية لا يمكن أن يرتقي إلى مرتبةالسيد قال في كتابه السياسة الاسترقات ضرورة طبيعية ومن أشهر الأنظمة الاقتصاديةالتي دافعت عن التفاوت الليبرالية وهي نظام طبقي طبقة تملك وسائل الإنتاج ولاتستعملها بنفسها وطبقة تملك هذه الوسائل وتستعملها وطبقة تملك الجهد فقط هذاالتفاوت الطبقي هو بمثابة الحافز فمن العدل أن يدافع عن التفاوت لأن الكل سيسعى حسبظروفه الاقتصادية واجتماعية وأكد طبيب بيولوجي تاريل أن الطبيعة جعل الكائنات الحيةطبقات بعضها أفضل من البعض وإنه إذا أردنا تحقيق العدالة الاجتماعية يجب أن نشجعبقاء طبقات قال في كتابه الإنسان ذاك المجهول لا مفر من أن تصبح الطبقات الاجتماعيةمرادفة للطباع البيولوجية يجب أن نساعد أولئك الذين يملكون أفضل الأعضاء والعقولعلى ارتفاع اجتماعي فكل فرد ينبغي أن يحصل على مكانه الطبيعي والحقيقة أن أنصار هذاالرأي اعتمدوا على حجج العقلية ومنه قوله تعالى:<<ورفعنا بعضهم فوق بعضدرجات>> هذا التفاوت هو قيمة العدل لأن الأفراد في حاجة إلى بعضهم البعضوملخص هذه الأطروحة أن تفاوت ظاهرة اجتماعية وطبيعية يجب الدفاععنها.
النقد:
لكن التفاوت إذا كان باسم العرف أو الدين سيتحول إلى عنصرتهوهذه الصفة تعاكس العادة الاجتماعية.
الرأي الثاني:
عند أنصار هذهالأطروحة حقيقة العدل تتجلى في احترام مبدأ المساواة بين الناس شاع هذا الطرح فيالفكر الإسلامي قال محمود يعقوبي: الناس سواء أن ليس هناك شيء أشبه بالإنسان منالإنسان لنا جميعا عقل وحواس وإن اختلفنا في العلم فنحن متساوون في القدرة علىالتعلم ومن الذين دافعوا عن الفكرة المساواة أنصار الفلسفة الماركسية وفي هذا قاللينينا الشيوعية هي نظام اجتماعي لا طبقي له شكل واحد للملكية العامة لوسائلالإنتاج والمساواة الاجتماعية الكاملة بين جميع أفراد المجتمع والاشتراكيةالإيديولوجية عرفت بدفاعها عن العدالة الاجتماعية من منطلق الروح تدل على النزعةالفردية ودرب يردون التفاوت في الحقوق باسم التركيبية العضوية والعقلية فقال هناكتفاوت جسمي وعقلي لا يمكن للمجتمع ولا للتعمير المذهب لكن لهذا التفاوت الحتمي أنيتحول إلى عنوان للنبل بالنسبة للبعض وذكاءه بالنسبة للبعض الآخر وطالب باكونينبالمساواة في حرية التعبير أي الحرية السياسية فقال لست في الحقيقة حرا إلا يومتكون كل الكائنات حرة نساء ورجال...فأن لا أصير حرا إلا بحرية الآخرين والخلاصة أنالمساواة شرط أساسي لقيام العدالة الاجتماعية.
نقد:
ما يعاب على هذاالرأي هو تركيزه على المساواة في الحقوق بينما الواقع يثبت وجودا التفاوت في العمالومنه لا يمكنه الأخذ دائما بالمساواة .
التركيب:
إن المقاربة الفلسفيةالسليمة لإشكالية العدل ترفعنا للوقوف أمام أسباب الظلم لفهمه وتجاوزه قال أرسطوتنجم الخصومات والاعتراضات عندما لا يحصل أناس متساوون على حصص متساوية أو عندمايحصل أناس غير متساوين على حصص متساوية ومنه يؤسس العدل على ضرورة التناسب بينالحقوق والواجبات والمقصود هنا حسب العفوية هو إتاحة الفرصة أمام جميع المواطنينلكي ينفي كل أسباب المواطنة الطبيعية وعندئذ تكون الكفاءة هي معيار الاستحقاقالفعالية هي مقياس التكلف بالمسؤوليات أي للمساواة مجالها وللتفاوت المكانة الخاصةبه.
الخاتمة:
الدارس لموضوع العدالة الاجتماعية يلمس حقيقة في غايةالوضوح هي أن العدالة من المواضيع الاجتماعية والسياسية والأخلاقية التي طرحت أكثرمن سؤال وكانت لا تزال بحق فحسب التقييم الفلسفي سواء من حيث ضبط المفهوم الماهيةأو البحث عن أساليب تطبيق العدالة الاجتماعية في أرض الواقع وفي مقالنا هذا تعممنافي فكرة التفاوت من خلال بعدها الفلسفي مع أفلاطون وأرسطو وبعدها الإيديولوجي معنزعة الليبرالية حملة مصطلح المساواة في فكرة شيشرون ومرودون والمذهب الاشتراكيومنه نستنتج أن العدل يرتكز على المساواة في الفرض وتفاوت في امتيازاتالنتائج.
هل يمكن تحقيق الاستقرار في ظلالديمقراطية الاجتماعية؟
مقدمة:
وصف الفلاسفة الإنسان منذ القديمبأنه كائن مدني بطبعه فحياته لا تقوم و لا تستمر إلا في ظل وجود سلطة تحكمه حتى أنأرسطو اعتبر الدولة من الأمور الطبيعية و الواقع أن استقرار التاريخ يجعلنا نميزبين نظامين: نظام حكم فردي يعتمد على الفصل بين السلطات و آخر جماعي يدافع عنالديمقراطية فإذا علمنا أم المذهب الليبرالي يتبنى الديمقراطية السياسية و أنالاشتراكية تؤمن بفكرة المساواة الاجتماعية فالمشكلة المطروحة *هل تستطيعالديمقراطية السياسية تحقيق الاستقرار السياسي؟ أم أنه لا يمكن تصور الديمقراطيةإلا في ظل المساواة الاجتماعية؟
الأطروحة الأولى:
ربط أنصار المذهبالليبرالي بين الديمقراطية و فكرة الحريات الفردية و هذا المذهب هو نظرية فيالسياسة و الاقتصاد كما ذهب إلى ذلك ماكس فيبر و أصحابها ينظرون إلى العمل السياسيمن زاوية المشاركة السياسية و حق المعارضة و هذا ما عبر عنه هانري مشال بقوله (الغاية الأولى للديمقراطية هي الحرية) و من الناحية الفلسفية ترتبط الديمقراطيةالسياسية بفلسفة التنوير تلك الفلسفة التي رفعت شعار (لا سلطة على العقل إلا العقل) و تجسدت هذه الفكرة بوضوح في فلسفة هيقل الذي قال الدولة الحقيقية هي التي تصل فيهاالحرية إلى أعلى مراتبها ) و القصد من ذلك أن جوهر الديمقراطية قائم على حرية إبداءالرأي و احترام الرأي المخالف وواجب السلطة هو حماية الحريات المختلفة ( السياسة والاقتصادية و الاجتماعية و الفكرية) و في هذا السياق تظهر أفكار سبينواز الرافضةلفكرة التخويف التي تعتمد عليها الأنظمة الاستبدادية و هو يرى أن السلطة الحقيقيةهي التي تحمي حرية الفكر و تضمن المشاركة السياسية للأفراد و من الناحية التاريخيةتعتبر الثورة الفرنسية 1789 في نظر رجال الفكر و التاريخ أكثر الثورات التي حملتلواء الديمقراطية السياسية و خاصة دفاعها عن المساواة السياسية كما ذهب جفرسون فيصياغته للدستور الأمريكي إلى المطالبة الحكومات الديمقراطية بحماية حق الأفراد فيالحياة و التفكير و يمكن القول أن الديمقراطية السياسية تتميز بجملة من الخصائصأهمها :حرية الصحافة بجميع أشكالها و كذا تبني خيار التعددية الحزبية و الحق فيالمعارضة السياسية ،و ترقية و حماية الحريات الفردية المختلفة و الدفاع عن حقوقالمرأة و الطفل باعتبار الإنجاب الوسيلة الوحيدة للوصول إلى السلطة أو البقاء فيهاكل هذه المبادئ، اختصرها كليسونفي مقولته: إن فكرة الحرية هي التي تحتل الصدارة فيالإديولوجيا الديمقراطية و ليست المساواة.
نقد:
إن فكرة الحرية السياسيةالتي دافع عنها المذهب الليبرالي محدودة ما دامت السلطة السياسية في أيدي أصحابالنفوذ الماليو الإعلامي.
نقيض الأطروحة
: ذهب أنصار مذهب الاشتراكية إلىاعتبار المساواة الاجتماعية أساس الديمقراطية، و هذا المذهب ظهر كرد فعل ضد التطرفالإديولوجيا الليبرالية و في هذا المعنى قال فريدير أنجلرSad الاشتراكية ظهرت نتيجةصرخة الألم و معاناة الإنسان ) و ذلك أن الديمقراطية السياسية لم تنجح في خلق عدالةإجتماعية و بدل الدفاع عن المساواة بين الأفراد جسدت الطبقية في أوضح صورها بين منيملك و الذي لا يملك مما دفع أناتول فرانس إلى القول الذين ينتجون الأشياء الضروريةللحياة يفتقدنها و هي تكثر عند اللذين لا ينتجونها ) و من هذا المنطلق رفع كارلماركس شعارا(يا عمال العالم اتحدوا) و ما يمكن قوله أن الديمقراطية الاجتماعية التيدافع عنها أنصار هذه الأطروحة ترمي إلى ربط بين العمل السياسي و العدالةالاجتماعية، يمكن القول أن الديمقراطية الاجتماعية التي دافع عنها أنصار الأطروحةترمي إلى الربط بين العمل السياسي و العدالة الاجتماعية و من أجل تحقيق هذا الهدفاعتمدت على مجموعة من المبادئ أهمها الاعتماد على سياسة الحزب الواحد و هذا الحزبيلعب دور الموجه و المراقب و مهمته الأساسية خلق الوحدة الوطنية من خلال تركيز جميعالجهود في مسار واحد بدل تشتيت القوي كما هو حاصل في الديمقراطية السياسية و منالمنطلق أن الاشتراكية خيارا لا رجعة فيه (يسمح بوجود معارضة سياسية ) بل كل مايعارض فكرة الديمقراطية الاشتراكية يصنف في خانة أعداء الثورة. إن جوهر العملالسياسي هو خدمة الجماهير و إزالة الفوارق الطبقية من خلال إلغاء الملكية الفردية وتجسيد فكرة التملك الجماعي فالديمقراطية الاجتماعية تهدف إلى ضرورة الانتقال منالمرحلة الاشتراكية إلى المرحلة الشيوعية التي تتجسد فيها المساواة الكاملة و فيهذا المعنى قال لينين في بيان الحزب الشيوعي (الاشتراكية نظام لا طبقي له شكل واحدالملكية العامة لوسائل الإنتاج و المساواة الاجتماعية الكاملة بين الأفراد و ملخصالأطروحة أن الديمقراطية الاجتماعية ترى أن المساواة الاجتماعية هي التي يجب أنتحتل الصدارة في العمل السياسي و ليست فكرة الحرية.
نقد: ما يعاب علىالديمقراطية الاشتراكية الفصل بين النظرية و التطبيق فبدل تحقيق المساواة و العدالةالاجتماعية تحول العمل السياسي إلى خدمة أفراد الحزب الواحد مما عجل سقوط الأنظمةالاشتراكية.
التركيب:
ذهب لاكومب في تحليله لمسألة الديمقراطية أنهاتتضمن الحرية و المساواة لأن الحرية التي تطالب بها الديمقراطية هي حرية الجميع دوناستثناء فالمسألة هنا يجب النظر إليها من زاوية الكيف و ليس الكم و هذا ما أكد عليهمبدأ الشورى في الإسلام و الذي جاء القرآن الكريم بصيغة الأمر قال تعالى: (وشاورهمفي الأمر) فالشورى تشترط الحوار و الحوار يدل على الحرية (و أمرهم شورى بينهم) و منالناحية التاريخية تضمن مفهوم الديمقراطية منذ نشأته مفهوم المساواة و الحرية قالبريكليس (إن السلطة عندنا ليست مسيرة لصالح الأقلية بل هي لصالح الجماهير و منه أخذنظامنا اسم الديمقراطية) .
الخاتمة:
و مجمل القول أن الديمقراطية من حيثالاشتقاق اللغوي تتضمن فكرة الإرادة الجماعية لأنها حكم الشعب نفسه بنفسه فهي تتضمنمفهوم الرضا و القبول لأن السلطة الحاكمة تمارس وظيفتها باسم الشعب غير أن هذاالمفهوم يتضمن إشكالية فلسفية حول الأساس الذي يجب أن تبنى عليه الممارسةالديمقراطية هل هو الحرية أم المساواة و من ثمة كانت هذه الإشكالية جدلية في المقامالأول و هي تعبر عن التضارب الفكري بين الإديولوجيا الليبرالية و الاشتراكية غيرأنه من خلال التحليل الفلسفي الذي قمنا به توصلنا إلى هذا الاستنتاج: الديمقراطيةالحقيقية هي التي تأسس على منطق المساواة و الحرية معا .
الإشكال:هل كل ما لا نفهمه من السلوك الشعوري يمكن رده إلىاللاشعور؟
إن القول بأن الإنسان كيان مادي والبحث في ماهيته على هذا الأساسأمر
يتعارض والحقيقة حيث أن هناك جانب آخر يجب مراعاته ألا وهو الجانبالنفسي
فالإنسان ينطوي على كيان داخلي يشعر من خلاله ويعي به تصرفاته، وإذاسلمنا
أن الإنسان يعيش حياة نفسية شعورية فإن هذا التسليم يدفعنا إلى التقريربأن
جميع تصرفاته شعورية لاغير ولكن ما هو ملاحظ عند الإنسان العادي أنهيسلك
سلوكات في بعض الأحيان ويجهل أسبابها فهل هذا يعني أن الإنسان يعيشحياة
نفسية شعورية فقط ؟ أو بالأحرى هل يمكن القول بأن سلوكات الفرد شعوريةفقط
؟ وإذا كان العكس فهل هذا يعني أن هناك جانب آخر للحياة النفسية ؟.
إنتصرفات الإنسان جميعها نردها للحياة النفسية الشعورية فقط، كما يزعم
أنصارالاتجاه الكلاسيكي الذي ظهر في عصر النهضة الأوربية الفيلسوف الفرنسي
ديكارتالذي يقولإن الروح أو الفكر تستطيع تأمل أشياء كثيرة في آن واحد
والمثابرة فيتفكيرها وبتأمل أفكارها كلما أرادت ذلك، والشعور من ثمة بكل
واحدة منها) حيث يرىبأن ما هو عقلي هو بالأساس شعوري، ورفض إمكانية قبول
وجود عمليات عقلية غيرمشعور بها أي لا واعية مادامت كلمة عقلي تعني شعوري
فلا يمكن أن يكون هذا عقليولا نشعر به، وقد أخذ بهذا الرأي كل من هوسرل
وجون بول ستارت حيث نجد هوسرل يقولفي كتابه (تأملات ديكارتية)كل شعور هو
شعور بموضوع ما أو شيء من الأشياء بحيث لايبقى هناك فاصل بين الذات
والموضوع).وبمعنى هذا أن التفكير عن الكلاسيكيين هو مانشعر به ونعيه من
عمليات عقلية ولذلك اعتبر ديكارت أن أساس إثبات خلود النفسقائم على الشعور.
ونجد من المسلمين من تطرق لهذا الموضوع هو بن سينا الذي اعتبرأن أساس
إثبات خلود النفس هو الشعور وأن الإنسان كما يقول(إذا تجرد عن تفكيره فيكل
شيء من المحسوسات أو المعقولات حتى عند شعوره ببدنه فلا يمكن أن يتجردعن
تفكيره في أنه موجود وأنه يستطيع أن يفكر)،ومعنى هذا أن الشعور يعتبرأساسا
لتفسير وتحديد العالم الخارجي نظرا لما يتضمن من عمليات عقليةمتعددة
ومتكاملة .
إن الإنسان يدرك ذاته إدراكا مباشرا فهو يدرك تخيلاته وأحاسيسه بنفسه إذا
لا يوجد في ساحة النفس إلا الحياة الشعورية .
إن هذا الرأيأثار اعتراضا لدى الكثير من الفلاسفة وعلى رأسهم :فرويد،فرينك
لايبنتز، وهذاالأخير يقولإنني أوافق أن الروح تفكر دوما ولكن لا أوافق
أنها تشعر دومابأفكارها).كذلك كيف نفير بعض السلوكات التي تصدر من الإنسان
ولا يعي أسبابها كماأننا نتصرف أحيانا تصرفات لا نعي أسبابها ولا يمكننا
إدراجها في ساحة الشعورلأننا لا نشعر بها وإذا كانت الحواس غير قادرة على
استيعاب العالم الخارجيفالشعور كذلك لا يمكنه احتلال ساحة النفس وحده.
وعلى عكس الرأي السابق نجد أنصارالاتجاه الذي يقر ويثبت اللاشعور وقد تبنى
هذا الموقف ما يسمى بفلاسفة ـ مدرسةالتحليل النفسي ـ وعلى رأسهم العالم
النفساني ذو الأصل النمساوي بسيجموند فرويدوقد استند إلى حجج وبراهين عدة
في ذلك منها الحجج النفسية المتعددة الأشكال (زلات القلم،فلتات
اللسان،إضاعة الشيء،النسيان المؤقت،مدلول الأحلام،الحب من أولنظرة)ويرى
فرويد أنه لا يمكن فهم كل منها بدون التسليم بفكرة اللاشعور ومنالأمثلة
التي يستشهد بها والقصص التي يرويها فرويد عن فلتات اللسان افتتاحرئيس
مجلس نيابي بقوله:<<أيها السادة أعلن رفع الجلسة>>وبذلك يكونقد عبر لا
شعوريا عن عدم ارتياحه لما قد تسفر عنه الجلسة،والخطأ عند فرويدظاهرة
بسيكولوجية تنشأ عن تصادم رغبتين نفسيتين إن لم تكن واضحة ومعروفةلدى
الشخص الذي يرتكب الهفوة،ومن أمثلة النسيان(أن شخصا أحب فتاة ولكنلم
تبادله حبها وحدث أن تزوجت شخصا آخر،ورغم أن الشخص الخائب كان يعرفالزوج
منذ أمد بعيد وكانت تربطهما رابطة العمل فكان كثيرا ما ينسى اسمزميله
محاولا عبثا تذكره وكلما أراد مراسلته أخذ يسأل عن اسمه)وتبين لفرويدأن
هذا الشخص الذي ينسى اسم صديقه يحمل في نفسه شيئا ضد زميله كرها أوغيرة
ويود ألا يفكر فيه أما الأحلام فهي حل وسط ومحاولة من المريض للحدمن
الصراع النفسي،ويروي المحلل النفسي فرينك: )أن إحدى المريضات تذكر أنهارأت
في الحلم أنها تشتري من دكان كبير قبعة جميلة لونها أسود وثمنهاغالي
جدا)فيكشف المحلل أن للمريضة في حياتها زوجا مسنا يزعج حياتها وتريدالتخلص
منه وهذا ما يرمز إليه سواد القبعة أي الحداد وهذا ما أظهر لفرويد أنلدى
الزوجة رغبة متخفية في التخلص من زوجها الأول،وكذا أنها تعشق رجلاغنيا
وجميلا وجمال القبعة يرمز لحاجتها للزينة لفتون المعشوق وثمنها الغالييعني
رغبة الفتاة في الغنى وقد استنتج فرويد من خلال علاجه لبعضالحالات
الباثولوجية أنه لابد أن توجد رابطة بين الرغبة المكبوتة فياللاشعور
والأغراض المرضية فهي تصيب وظائف الشخص الفيزيولوجية والنفسية ويقدمفرويد
مثال ـ الهستيريا ـ فصاحبها لا يعرف أنه مصاب بالهستيريا وهي تنطويعلى
أعراض كثيرة منها (فقدان البصر،السمع،أوجاع المفاصلوالظهر،القرحة
المعدية).ولهذا يؤكد فرويد مع بروير هذا الأمر حيث يقولبروير(كلما وجدنا
أنفسنا أمام أحد الأعراض وجب علينا أن نستنتج لدى المريض بعضالنشاطات
اللاشعورية التي تحتوي على مدلول هذا العرض لكنه يجب أيضا أن يكونهذا
المدلول لا شعوريا حتى يحدث العرض،فالنشاطات الشعورية لا تولد أعراضعصبية
والنشاطات اللاشعورية من ناحية أخرى بمجرد أن تصبح شعورية فإنالأعراض
تزول).ويمكن التماس اللاشعور من خلال الحيل التي يستخدمها العقل مندون
شعور كتغطية نقص أو فشل،ومن أمثلة التعويض أن فتاة قصيرة القامة تخففمن
عقدتها النفسية بانتعالها أعلى النعال أو بميلها إلى الإكثار منمستحضرات
التجميل حتى تلفت إليها الأنظار أو تقوم ببعض الألعاب الرياضية أوبلباس
بعض الفساتين القصيرة ويرجع الفضل في إظهار عقدة الشعور بالنقصومحاولة
تغطيتها إلى تلميذ فرويد آذلار ومنها ـ التبرير ـ فالشخص الذي لم يتمكنمن
أخذ تذكرة لحضور مسرحية ما قد يلجأ ل تبرير موقفه بإحصاء عيوبالمسرحية.و
يضيف فرويد قوله بأنه مادامت حواسنا قاصرة على إدراك معطيات العالمالخارجي
فكيف يمكننا القول بأن الشعور كاف لتفسير كل حياتنا النفسية .
رغم كلهذه الحجج والبراهين إلا أن هذا الرأي لم يصمد هو الآخر للنقد حيث
ظهرت عدةاعتراضات ضد التحليل النفسي وضد مفهوم اللاشعور خاصة،يقول الطبيب
النمساويستيكال أنا لا أومن باللاشعور فلقد آمنت به في مرحلته الأولى ولكن
بعد تجربتيالتي دامت ثلاثين عاما وجدت أن الأفكار المكبوتة إنما هي تحت
شعورية وان المرضىدوما يخافون من رؤية الحقيقة).ومعنى هذا أن الأشياء
المكبوتة ليست في الواقعغامضة لدى المريض إطلاقا إنه يشعر بها ولكنه يميل
إلى تجاهلها خشية إطلاعه علىالحقيقة في مظهرها الخام،بالإضافة إلى أن
فرويد لم يجر تجاربه على المرضى الذينيخافون من الإطلاع على حقائق مشاكلهم
وفي الحالات العادية يصبح كل شيء شعوري كمايقر بروير نفسه في قوله السابق
وكذلك أن اللاشعور لا يلاحظ بالملاحظة الخارجيةلأنه سيكولوجي ولا الداخلية
لأنه لا شعوري،إذَاً لا نلاحظه داخليا أو خارجيا فلايمكن بالتالي إثباته.
إن الإنسان يقوم في حياته اليومية بعدة سلوكات منها ما هومدرك ومنها ما هو
غير ذلك ومن ثم ندرك أن هناك مكبوتات لا يمكن التعرف عليها إلابمعرفة
أسبابها ولكن أن نرجع كل الحالات للاشعور فهذا ما لا ينبغي.
ونتيجةلما سبق يمكننا أن نقول أن الحياة عند الإنسان شعورية و لا شعورية
أن ما لا يمكنفهمه من السلوك الشعوري يمكن فهمه باللاشعور.
حين نتحدث عن اللبيد والجنس فلامناص من ذكر فرويد فقد كان يوجه اهتمامه
لهذه المسألة إلى درجة المبالغة والشذوذوكل ما كتبه يدور حول الغريزة
الجنسية لأنه يجعلها مدار الحياة كلها ومنبعالمشاعر البشرية بلا استثناء
يصل به الأمر إلى تقرير نظريته إلى حد أن يصبغ كلحركة من حركات الطفل
الرضيع بصبغة الجنس الحادة المجنونة فالطفل أثناء رضاعته ـكما يزعم هذا
الأخير ـ يجد لذة جنسية ويلتصق بأمه بدافع الجنس وهو يمص إبهامهبنشوة
جنسية،وقد جاء في <<بروتوكولات حكماء صهيون>>(يجب أن نعمل أنتنهار الأخلاق
في كل مكان فتسهل سيطرتنا...إن فرويد منا وسيظل يعرض العلاقاتالجنسية في
ضوء الشمس كي لا يبقى في نظر الشباب شيء مقدس ويصبح همه رواءغرائزه
الجنسية وعندئذ تنهار أخلاقه).(انظر كتاب المادية والإسلام)(عن كتابتنظيم
الإنسان للمجتمع)
الإشكال:هل العادة مجرد ميل أعمى أم أنها سلوك إيجابي؟
إن حياة الإنسان لا تقتصر على التأثر بل تتعداها إلى التأثير ويتم له ذلك
بتعلمه مجموعة من السلوكات بالتكرار وفي أقصر وقت ممكن والتي تصبح فيما بعد
عادات أو هي كما يقول أرسطو طبيعة ثابتة وهي وليدة التكرار،إن العادة تحتل
جانبا كبيرا في حياة الفرد ولهذا فقد اختلف الفلاسفة في تفسير العادة
وأثرها،ومن هنا يتبادر إلى أذهاننا التساؤل التالي:هل اكتساب العادات يجعل
من الإنسان مجرد آلة أم أنها تثري حياته؟،أو بالأحرى هل العادة مجرد ميل
أعمى أم أنها تمثل سلوك إيجابي في حياة الفرد؟.
يرى أصحاب الرأي الأول(جون جاك روسو،بافلوف،كوندياك).أن للعادة آثار سلبية
على حياة الأفراد،فهي تسبب الركود وتقضي على المبادرات الفردية والفاعلية
وتستبد بالإرادة فيصير الفرد عبدا لها فسائق السيارة الذي تعود على السير
في اليمين يواجه صعوبة كبيرة إذا ما اضطر إلى قيادة سيارته في اليسار ففي
مثل هذه الحالة تتعارض العادات القديمة مع العادات الجديدة،كذلك أنها تضعف
الحساسية وتقوي الفعالية العفوية على حساب الفعالية الفكرية،فالطبيب يتعود
على ألا ينفعل لما يقوم به من تشريحات والمعاينة المستديمة لمشهد البؤس
فيما يقول روسو(إن كثرة النظر إلى البؤس تقسي القلوب)،وقد نبه الشاعر
الفرنسي سولي برودوم: (أن جميع الذين تستولي عليهم قوة العادة يصبحون
بوجوههم بشرا بحركاتهم آلات)ثم إن العادة تقضي على كل تفكير نقدي إنها تقيم
في وجه الإنسان عقبة إبستيمولوجية خطيرة فالحقيقة التي أعلن عنها الطبيب
هانري حول الدورة الدموية في الإنسان ظل الأطباء يرفضونها نحو أربعين سنة
لأنهم اعتادوا على فكرة غير هذه ولقد بين برغسون بأن روتينات الأخلاق
المشتركة ما هي سوى المبادرات القديمة التي جاء بها الأبطال
والقديسون.وللعادة خطر في المجال الاجتماعي حيث نرى محافظة العقول
التقليدية على القديم و الخرافات مع وضوح البراهين على بطلانها إنها تمنع
كل تحرر من الأفكار البالية وكل ملاءمة مع الظروف الجديدة ،فالعادة إنما هي
رهينة بحدودها الزمنية والمكانية التي ترعرعت فيها وهذا ما جعل روسو
يقول(إن خير عادة للطفل هي ألا يعتاد شيئاً).
لكن رغم هذه الحجج لا ينبغي أن نجعل من هذه المساوئ حججاً للقضاء على قيمة
العادة فهناك قبل كل شيء ما يدعو إلى التمييز بين نوعين من العادات
(العادات المنفعلة والعادات الفاعلة).ففي الحالة الأولى الأمر يتعلق
باكتساب حالة أو بمجرد تلاؤم ينجم عن ضعف تدريجي عن الفكر،وفي الحالة
الأخرى يتعلق الأمر بالمعنى الصحيح لقيمة للعادة في الجوانب الفكرية
والجسمية ولهذا فإن للعادة وجه آخر تصنعه الإيجابيات.
على عكس الرأي الأول فإذا كانت العادة طبيعة ثابتة تقل فيها الفاعلية وتقوى
فيها العفوية والرتابة،إلا أن هذه الطبيعة المكتسبة ضرورية لتحقيق التلاؤم
والتكيف بين الإنسان وبيئته فلا يمكن لأي شخص أن يعيش ويتكيف مع محيطه دون
أن يكتسب عادات معينة ثم أن المجتمع ذاته لا يمكن أن يكون دون أن يفرض على
أفراده مجموعة من العادات التي ينبغي أن يكتسبوها كلهم،ومثال ذلك أن يتعلم
الضرب أو العزف على آلة موسيقية أخرى وقد بين*آلان*في قولهإن العادة تمنح
الجسم الرشاقة والسيولة).وإن تعلم عادة معينة يعني قدرتنا على القيام بها
بطريقة آلية لا شعورية وهذا ما يحرر شعورنا وفكرنا للقيام بنشطات أخرى فحين
نكتب مثلاً لا ننتبه للكيفية التي نحرك بها أيدينا على الورقة بل نركز جل
اهتمامنا على الأفكار،إذاً فإن عاداتنا أسلحة في أيدينا نستعملها لمواجهة
الصعوبات والظروف الأخرى،وكذلك نجد من تعلم النظام والعمل المتقن والتفكير
العقلاني المنطقي لا يجد صعوبات كبيرة في حياته المهنية على خلاف غيره من
الأشخاص وكل هذا يجعلنا نقر بإيجابية العادة.
بالرغم من إيجابيات العادة إلا أنها تشكل خطراً عظيما في بعض الأحيان،وهذا
ما نبه إليه رجال الأخلاق الذين لهم تجارب عدة في تبيين سلبيات العادة
فنبهوا مراراً على استبداد العادة وطغيانها،فمن تعلم عادة أصبح عبدا
لها،وعلى الرغم من الفوائد التي تنطوي عليها فإن لها أخطار جسيمة.
إن العادة تكون إيجابية أو سلبية وفقا لعلاقتها بالأنا،فإذا كانت الأنا
مسيطرة عليها فإن العادة في هذه الحالة بمثابة الآلة التي نملكها ونستعملها
حينما نكون بحاجة إليها وقت ما نريد،لكن العادة قد تستبد بالأنا(الإرادة)
فتكون عندئذ عائقا حقيقيا ومن ثم يكون تأثيرها سلبيا بالضرورة.
وخلاصة القول أن السلوك الإنساني مشروط بمجموعة من العوامل الفطرية
والمكتسبة و تشكل العادة أهم جانب من السلوك المكتسب،ولتحقيق التوافق بين
الشخص ومطالب حياته المادية و المعنوية أو هي كما يقول شوفاليإن العادة هي
أداة الحياة أو الموت حسب استخدام الفكر لها) أو بتعبير أحسن أن يستخدمها
الفكر لغاياته أو أن يتركها لنفسها.
الإشكال:هل الحرية حالة شعورية أم هي عمل التحرر؟.
يرى بعض المفكرين أن الحرية هي تجاوز أي إكراه داخلي أو خارجي،داخلي يتمثل
في الرغبات والشهوات والميول والحاجات النفسية البيولوجية وخارجي يتمثل في
الحتميات الطبيعية والاجتماعية لذا نتساءل هل يكفي المرء أن يشعر أنه حر
ليكون حراً حقاً أم أن الحرية ممارسة وفعل في الواقع اليومي؟.
بالنسبة لبعض الفلاسفة إن تجربتنا الشعورية الداخلية دليل كاف على أننا
أحرار ففي رأي المعتزلة(أن الإنسان يحس من نفسه وقوع الفعل فإذا أراد
الحركة تحرك وإذا أراد السكون سكن)،ومعناه أن الأفعال التي يقوم بها إنما
يمارسها بإرادته الحرة حسب الظروف التي تلامسه وفي هذا يقول ديكارتإننا
واثقون من حريتنا لأننا ندركها إدراكا مباشراً بل نحدسها حدساً)،حيث يرى أن
إحساس الإنسان الداخلي بالحرية ـ الواضحة والمتميزة ـ دليل كاف على حريته
يقول لوسينكلما أبحث في نفسي عن القوة التي تقيدني كلما أشعر أنه ليست لدي
أية قوة غير إرادتي ومن هنا أشعر شعوراً واضحاً بحريتي)،ولكن مثل هذا القول
لا يمكن أن يصمد للنقد ذلك أن الإرادة من الناحية الفلسفية باعتبارها العلة
الأولى قوة سحرية والأخذ بها فيه كثير من المبالغة كذلك أن الشعور وحده
يمكن أن يكون وهما خداعا لأننا نجهل الحتميات التي نخضع لها خضوعا داخليا
أو خارجيا سواء كانت نفسية أو طبيعية أو اجتماعية وهذا تكفل بسيادة عدد
كبير من المفكرين في العصر الحديث.
لقد حاول بعض الفلاسفة من الذين أدركوا المشكلة أن يزيحوا النقاب عن سر
اللغز فالرواقيون يرون أن العالم يخضع لقوانين ثابتة أي أنه يسير حتما
بمقتضى العلة والمعلول،وأن الكائن الإنساني الموجود في هذا العالم ليس حر
لأنه لا يمكن أن يكون حراً بالإرادة في عالم مجبر غير أن الإنسان ذو طبيعة
عاقلة و إذا أراد التحرر والسعادة فلا بد أن يعيش على وفاق الطبيعة بكل ما
تنطوي عليه هذه الكلمة من معان أي على وفاق مع قانون الطبيعة الذي يسيّر
العالم ويعيش حسب طبيعته العاقلة فيسير المرء في حدود ما يرشد إليه العقل
خاضعا لقوانين الكون المعقول فالقضية هي قضية حرب بين العقل والشهوات
فينتصر العقل إذن الحرية ليست معطى أولي ولا فضل من الطبيعة إنها تكتسب على
ضوء ما تملي به الطبيعة الإنسانية الحقيقية وتحررنا يقاس بضعف أو قوة
أعمالنا وإنجازاتنا و مجهوداتنا المبذولة فلا بد من قبول الضرورة إذن،كما
تقبل الأسطوانة الدوران وفي نفس الاتجاه يرى سبينوزا أن أفعال الإنسان مجرد
ظواهر آلية إذن فهو ليس حراً ولكن ليس معنى ذلك أن فيلسوفنا يلغي الحرية
وإنما يرى الحجة في قبول النظام الرياضي للكون والقوانين العقلية المسيرة
للحوادث فكلما ازداد العقل علما كما يقول ازداد ف
المسيلي- عدد الرسائل : 78
تاريخ التسجيل : 31/01/2010
نقاط : 5321
رد: مقالات فلسفية رائعة
الإشكال:هل يمكن أن نتصور فعلا أخلاقيا يكون فاعله مجبر عليه؟.
لقد اختلف فلاسفة الأخلاق في تأطير هم للسلوك و كل ذلك ابتغاء تأطيره و
الحكم عليه ساعين من خلال عمليهما إلى تحديد العناصر التي تجعله ذا قيمة و
دلالة أخلاقية , و هذا من خلال ما يضفون عليه من قيم إنسانية ينشدها الفرد
في فعله فإذا كان الإنسان من خلال قيامه بالفعل الأخلاقي يلتزم بمعايير و
قيم أخلاقية معينة فهل أساس هذا الفعل و قوامه أن يكون فاعله مجبرا عليه ؟.
يرى النفعيون و على رأسهم أرستيب القورينظي والذي يعتبر المؤسس الأول لمذهب
اللذة الفردية فهو يرى أن اللذة هي مقياس العمل الخلقي , فالعمل خير بمقدار
ما فيه من لذات و شر بمقدار ما فيه من آلام و اللذة عي الباعث للعمل و في
هذا يقول أي عمل لا يخضع للذة و الألم و أي شيء غير اللذة لا يمكن أن يكون
باعثا على العمل , اللذة هي الخير الأعظم و هي مقياس القيم جميعا هذا هو
صوت الطبيعة فلا خجل و لا حياء و ما القيود و الحدود إلا من وضع العرف ) _
ثم إن هذه اللذة التي تحملنا متع الدنيا و القناعة باللحظة الحاضرة تجعلنا
في مستوى واحد مع الحيوان ـ و لعل هذا ما جعل أبيقور يطور هذا المذهب من
اللذة إلى المنفعة لكنه مع ذلك يبقى مخلصا للمذهب السابق فهو يرى أن
الإنسان يوجه أعماله للحصول على اللذة غير أنه يختلف معه في القول بأن هناك
لذات أفضل من لذات عكس أرستيب الذي لا يفرق بين لذة وأخرى، إذن فما دامت
هناك لذات أفضل فإنه يجب أن نمسك بزمام شهواتنا فنرفض اللذة إذا كانت
متبوعة بألم أكبر منها، ونتحمل الألم إذا كان متبوعا بلذة أكبر منه فاقتلاع
الضرس المسوس على الرغم مما فيه من ألم أفضل من تركه ولكي يسهل علينا
اقتناء اللذات الأنفع يمدنا ببعض القواعد أولها أن إلى اللذات التي لا
يعقبها أي ألم،وثانيها أن نبتعد عن الألم الذي لا يولد شيئا من
اللذات،وثالثها أن نجتنب اللذة التي تفقدنا لذة أعظم منها،وأخيرا أن نقبل
بالألم الذي يضمن لنا لذة أرجح من ذلك الألم أو يخلصنا من ألم أعظم منه،وقد
ذهب وعلى شاملة هذا الطرح وبعد عشرين قرنا هوبز(1588-1697م) فهو يرى مثل
أبيقور أن اللذة الشخصية هي المقياس الخلقي،وأن الإنسان الطبيعي لا يعرف
إلا أنانية محضة فإن أي إنسان بطبيعته لا يبعثه على الفعل إلا حبه لنفسه
وليس له أي باعث آخر إنه أناني بطبعه لا يطلب إلا خيرا لنفسه،ونجد كذلك
الفيلسوف الإنجليزي بينتام (1748-1832) أنه يجب أن يكون في المنفعة العامة
لا الشخصية فاللذة التي نسعى إليها ليست لذة العامل وحده بل لذة كل من لهم
علاقة بالعمل لذلك يجب علينا أن نحكم على الأعمال بالخيرية أو الشريرة أن
ننظر فيما ينتجه العمل من اللذات و الآلام لا لأنفسنا فحسب بل للنوع البشري
كله فالقاضي مثلا عندما يقبل الرشوة تعد رذيلة حتى وإن انتفع بها هذا
الأخير لأنها تؤدي إلى حالة من الفوضى فتكثر المظالم وتضيع حقوق الناس يقول
بينتامالمنفعة خاصية الشيء الذي تجعله ينتج فائدة أو لذة أو خيرا أو سعادة
وخاصية الشيء التي تجعله يحمي السعادة من الشقاء والألم والشر والبؤس
بالنسبة للشخص الذي تتعلق به المنفعة)،ولقد وضع بينتام صفات محددة للمنفعة
هي كالتالي: الشدة، الخصب ،الدوام ،الصفاء ،القرب و الاتساع . وأخيرا جون
ستوارت ميل (1806-1873) الذي يختلف مع أستاذه بينتام فهو يرى أن تقدير
اللذات يجب أن يعود إلى مشورة أناس خبراء لا إلى الفرد و قد أقام ميل قاعدة
السلوك الأخلاقي هي أن نعمل من أجل الآخرين ما ينبغي أن يفعلوه من أجلنا .
الواقع أن بناء الأخلاق على الطبيعة البشرية يلغي كل إلزام وكل مشروعية لها
لأنه ما دام من طبيعة الفرد أن يسعى إلى ما يسره وينفعه فإنه لا يمكن أن
نطلب منفعة غيره وإن كانت هذه الأخلاق تدعي الواقعية فإنها فقدت وظيفتها في
تقييم السلوك و السمو به نحو المثل العليا يقول غولبرإن تقدير قيم اللذات
على الرغم من اختلاف طبيعتها و نوعها وقربها بالإسناد إلى حساب شدتها
وامتدادها وقربها وقد يوصلنا إلى قائمة طويلة من الأرقام لكنها أرقام
تعسفية لا تخضع إلاّ للعبث و الأهواء).
وعلى عكس الرأي السابق يرى أنصار الاتجاه العقلي أن هذا الأخير هو مصدر
القيمة الأخلاقية فهو تلك الماهية الخالدة التي لا تتأثر لا بالزمان و لا
بالمكان فبه نحكم على الأشياء و نقومها وبه نهتدي في تصرفاتنا يقول
ديكارتالعقل هو أعدل الأشياء توزيعا بين الناس) ،فالعمل الأخلاقي هو كل ما
يصدر عن اقتناع واختيار ومعرفة لذلك فإن أحكامه ضرورية تصلح لتقويم السلوك
فالعقل هو أداة الإدراك و التبرير ولا يتم التمييز بين الخير و الشر إلاّ
بالعقل فإنه ينطوي على مبدأ عدم التناقض يقول الدكتور محمد بدوي في كتابه
(الأخلاق بين الفلسفة وعلم الاجتماع) هناك قوة كامنة في نفس الإنسان لا
تهيئ له النصح و تضيء له السبيل فحسب بل إنها تحدد له ما يجب عمله وما يجب
تحاشيه ،هذه السلطة الكامنة التي تسيطر على قدراتنا وعلى غرائزنا السفلى
وهي أسمى جزء في نفوسنا هي العقل فخارج ما يأمرنا به العقل لا تكون هناك
قاعدة أو سلوك له ما يبرره وسلطة العقل هي السلطة الشرعية الوحيدة). وعلى
شاكلة هذا الطرح نجد كانط يجعل من العقل مصدرا للحياة الأخلاقية ليقطع به
الطريق أمام العواطف المندفعة فيحتكم الناس إلى صرامته ونزاهته فهو يصدر من
الإرادة خيرا فالإرادة الخيّرة هي التي تعمل بدافع الواجب لا طبقا للواجب
فقط لأن هناك بعض الأعمال يمكن أن تتمة طبقا للواجب لكن بدافع المنفعة لا
بدافع الواجب إذا فالإرادة الخيرة هي التي يكون الدافع إليها هو شعور
الاحترام الذي يولده فينا مجرد تصور القانون ،إذاً فالإنسان الأخلاقي يؤدي
فعله كممثل للإنسانية برمتها.
بما لأن الفعل الأخلاقي لا يمكن أن يكون أخلاقيا وهو خال من الأهواء خاضعا
للعقل و للإرادة الخيرة فإن السلوك الأخلاقي هو السلوك الصادر عن الإنسان
الواقعي الذي تتجاذبه الأهواء و الرغبات و الذي بإمكانه أن يؤدي أن يؤدي
فعلاً خلقيا يكون ناتجاً عن حكمة في التصرف قوامها بناء سلوك ما تكون فيه
الأهواء و الرغبات تعمل وفق ما يمليه العقل .
على ضوء ما سبق ذكره نصل إلى أن الجزاء أمر ضروري باعتباره عامل ضغط خارجي
يحدد السلوك و يقيمه لكنه غير كاف يحتاج إلى أمر مقابل يتمثل في الضغط
الداخلي أو التأثير الذي يحدثه العقل قبيل وأثناء القيام بالسلوك .
الطريقة:جدلية. الدرس: إشكالية العدل.
الإشكال:هل يمكن تحقيق العدالة الاجتماعية في ظل الفروق الفردية ؟.
إن مفهوم العدل لم يصبح مفهوما شائعا في عصرنا الحاضر إلا بعد الثورات
الكبرى التي أرقيت فيها الدماء و أزهقت فيها الأرواح البشرية و التي بها
ثائرون متعطشون إلى الإخاء ضد الاستبداد و الطبقية و الاستغلال و صار مفهوم
العدل كثيرا ما يقرن بمفهوم المساواة و يعتقد أن العدل في المساواة و الظلم
في التفاوت و لكن أليس المساواة المطلقة ظلما ؟ لقد اختلف المفكرون في
الإجابة عن هذا السؤال فمنهم من قال بالمساواة لأنها عدل و منهم من رفضها
لأنها ظلم و حتى نصل إلى الرأي الذي يبدو لنا صحيحا و نأخذ به لابد من عرض
الموقفين:
يرى أصحاب التفاوت أن العدل يتأسس على احترام الفوارق الموجودة و يوردون
حججا تتعلق بالفوارق الطبيعية و الفوارق الاجتماعية فهم يرون أن الأفراد
منذ ولادتهم يتميزون عن بعضهم البعض فلكل منهم قدراته و مواهبه الجسمية و
العقلية الخاصة به فمنهم الضعيف و منهم القوي , منهم الذكي و منهم الغبي ,
فمن الظلم أن تمنح الغبي و غير الكفء منصبا إداريا ممتازا , لقد كان هذا
رأي أرسطو فهو يزعم أن التفاوت قانون الطبيعة فهو يعترف بأن استغراق البعض
للبعض الآخر هو ضرورة طبيعية و مادام الناس مختلفين من حيث الخصائص العقلية
و الفيزيولوجية فلا بد فيما يرون من توسيع شقة الاختلاف بينهم يقول كاريل
أليكس*عالم فيزيولوجي و جراح فرنسي*فبدلا من أن نحول تحقيق المساواة عبر
اللامساواة العضوية و العقلية يجب أن نوسع دائرة هذه الاختلافات و ننشئ
رجالا) و هو يوضح القول قائلاإن تقسيم سكان البلاد الحرة إلى طبقات مختلفة
لا يرجع إلى المصادفة أو العرف الاجتماعي و إنما هو مؤسس على قواعد
بيولوجية صلبة و كذلك على قدرات الأفراد الفيزيولوجية و العقلية) ففي
المجتمع الديمقراطي كما ترى *فرنسا , بريطانيا* استطاع كل شخص أن يجد فرصته
خلال القرن (19م) ليرتفع إلى المركز الذي مكنته مقدرته من بلوغه , لكن
اليوم عامة الشعب يدينون بمراكزهم إلى الضعف الوراثي لأعضائهم و عقولهم
بالإضافة إلى هذا الرأي فقد تبنى هذا الموقف بعض الأديان القديمة
(الإبراهيمية) و التي بادروها بتقسيم الناس إلى أربع طوائف أعلاها الكهنة و
البراهمة و أدناها السفلة و الأنجاس , و حديثا نجد اليهود الذين زاعمو أنهم
وحدهم شعب الله المختار بالإضافة إلى الحركة النازية التي قسمت الجنس
البشري إلى طبقات أسماها الآري ولقد علل أنصار هذا الضرب من الفوارق
الاجتماعية منها و الطبيعية بأنها كحافز يدفع الأفراد إلى السعي و النشاط
ذلك بأن الإنسان بطبعه مفطور على أن يسعى وراء آماله الواسعة و محاولة
تحقيقها، فحياة بعض الناس في الرفاهية وتمتعهم بالكماليات يثير فيمن هم
دونهم رغبة أقوى في العمل قصد الوصول إلى طموحاتهم فهو ينكر وجود تفاوت بين
الناس في مكانتهم وقدراتهم وهذا لا يعني عدم مساواتهم أمام العدالة في أن
أي تفاوت يتحول إلى ظلم.
إلاً أن هذه النزاعات تشبه إلى حد ما المبادئ التي انطلق منها التوسع
الاستثماري الحديث يدّعون أن القوي له الحق بل ومن العدل أن يحتل الضعيف
ويسير شؤونه المختلفة ويثبت العلماء أن العرق الصافي من المستحيل وجوده أي
أن كل بلاد العالم مزيج من العروق حتى أن الدم الذي تفتخر به ألمانيا نفسها
هو دم هجين إلى حد بعيد أكثر من غيره لا بل إن الواقع يؤكد أن الدم الهجين
باعث على التقدم و الحيوية .
وعلى عكس الرأي الأول ظهر اتجاه ثان يرى بأن الناس خلقوا متساوين وفي هذا
المعنى يقول شيشرون الخطيب الروماني(الناس سواء وليس أشبه من الإنسان
بالإنسان لنا جميعا عقل ولنا حواس وإن اختلفنا في العلم فنحن متساوين في
القدرة على التعلم)، وهو يقصد بهذا أن الناس سواسية لا من حيث ملكاتهم
العقلية وكفاءاتهم وإنما لهم طبيعة بشرية واحدة أنهم سيختلفون فيما سيحصلون
عليه أثناء عملهم وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول تنويها بالمساواة
العادلةمتى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً)، أي متساوين في جميع
الحقوق كحق الحرية وحق الحياة و المعاملة ، و أن الناس لم يولدوا منقسمين
إلى طبقة أسياد وطبقة عبيد وليس لأحد حق السيادة على الآخرين بسبب ما يجري
في عروقه من دم أرستقراطي، إنما خلق الناس طبقة واحدة وكتب توماس جيفرس في
إعلان الاستقلال الأمريكي (إن جميع الناس قد خلقوا متساوين) كما يقول أن
العدل هو احترام الكرامة الإنسانية مهما كان الأشخاص ومهما كانت الظروف
الطبيعية و الاجتماعية التي تتعرض له فلابد من تجاوزها) ، ويرى أيضا (العدل
في أسمى معانيه هو تجاوز الحدود و الفوارق الاجتماعية).
بالرغم من أنه لا يمكن إنكار أهمية المساواة و ضرورتها للمجتمع و الأفراد
إلاّ أنه لا يمكن من مستوى الحقوق و الواجبات إلى مستوى يتعارض فيه الناس
على حسب إمكانياتهم فلكل واحد إمكانياته الخاصة به بالإضافة إلى أنه لو
ساوينا كل الناس في جميع المستويات العقلية و الجسدية و العلمية فكيف يحد
من بعضهم بعضاً .
إن العدل معناه إزالة الفوارق المصطنعة و المظالم والفروق الواسعة التي
نشأت بطرق غير مشروعة ولابد من فتح الطرق أمام الجميع و تحقيق مبدأ تكافؤ
الفرص في جميع المجالات وإذا كان لا فضل لعربي عل عجمي إلاّ بالتقوى فإن
الله سبحانه وتعالى يقول ورفعنا بعضكم فوق بعض درجات) ولكن هذا لا يعني أن
العدل معناه المساواة المطلقة بل إعطاء كل ذي حق حقه وفق جهده و عمله .
وإذا أردنا الخروج بحوصلة فإن العدل ليس مساواة مطلقة و ليس كل تسمى بلا
حدود ولا قيود فهناك فروق لا حيلة لنا فيها كالفروق الطبيعية .
إذا فالعدل هو الاحترام الصارم للحقوق لكل ذي كرامة وهو حرب ضد كل العمليات
الاحتيالية أي العمليات التي من شأنها أن توفر المساواة .
الإشكال:هل النظام الرأسمالي كفيل بتحقيق الرخاء الاقتصادي؟
تختلف النظم الاقتصادية ماضيا باختلاف موقعها من الملكية وما يصل بها من
حيث النوع والحقوق و الواجبات فهناك من حيث النوع قسمان ،ملكية فردية وهي
التي يكون فيها المالك معنيا ، وملكية جماعية وهي التي يكون فيها المالك
معنويا أي معين في شخص بعينه كالدولة و العشيرة و القبيلة ومن هنا فقد
اختلف جمهور الفلاسفة في تحديد النظام الاقتصادي الذي يحقق ازدهاراً
اقتصادياً و بالتالي نتساءل : هل النظام الرأسمالي كفيل بتحقيق حياة
اقتصادية مزدهرة أم أن هناك نظاما آخر كفيل بذلك ؟ .
يرى أنصار النظام الليبرالي ـ الرأسمالي ـ أن هذا الأخير كفيل بتحقيق حياة
اقتصادية مزدهرة و يستندون في ذلك إلى حجج و براهين بحيث يعتمد على مبادئ
تعد الركيزة الأساسية التي يستند إليها في تعامله ومن أهمها الملكية
الفردية لوسائل الإنتاج و كذا المنافسة الحرة التي تضمن النوعية و الكمية و
الجودة بالإضافة إلى عدم تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية و كذلك نجد
قانون العرض و الطلب وهو قانون طبيعي يحدد الأسعار و الأجور فإذا زاد الطلب
قل العرض و العكس ، ومن كل هذا نستنتج أن فلسفة النظام الرأسمالي تقوم على
مسلمة واحدة و أساسية هي أن سبب كل المشاكل الاقتصادية يرجع إلى تدخل
الدولة في تحديد الأسعار و الأجور و الإنتاج ، فلا يزدهر الاقتصاد إلاّ إذا
تحرر من كل القيود و القوى التي تعيق تطوره وفي هذا يقول آدم سميث أحد
منظري الليبراليةدعه يعمل أتركه يمر)، و إذا كان تدخل الدولة يعمل على
تجميد وشل حركة الاقتصاد فإن التنافس الحر بين المنتجين يعتبر الوقود
المحرك للآلة الاقتصادية فالحرية الاقتصادية تفتح آفاقا واسعة للمبادرات
الفردية الخلاقة بحيث أن كل المتعاملين يبذلون قصارى جهدهم لإنتاج ما هو
أحسن وأفضل وبكمية أكبر و بتكلفة أقل ولا خوف في خضم هذا النشاط على حركة
الأجور و الأسعار لأن قانون العرض و الطلب يقوم بتنظيم هاتين الحركتين و في
هذا يرى آدم سميث أن سعر البضاعة يساوي ثمن التكلفة زائد ربح معقول ، لكن
إذا حدث بسبب ندرة بضاعة معينة أن ارتفع سعر بضاعة ما فوق سعرها الطبيعي
فإن هذه البضاعة تصبح مربحة في السوق الأمر الذي يؤدي بمنتجيها إلى المزيد
من إنتاجها فيرتفع العرض و هذا يؤدي بدوره إلى انخفاض ثمنها و إذا زاد
العرض عن الطلب بالنسبة لسلعة ما فإن منتجيها يتوقفون عن إنتاجها أو يقللون
منه لأنها غير مربحة و هذا يؤدي آليا إلى انخفاض العرض ومن ثمة ارتفاع
الأسعار من جديد يقول آدم سميث إن كل بضاعة معروضة في السوق تتناسب من
تلقاء نفسها بصفة طبيعية مع الطلب الفعلي ) ، وما يميز هذا النظام أنه لا
يتسامح مع الضعفاء و المتهاونين والمتكاسلين ، و الملكية الخاصة و حب الناس
للثروة هو الحافز الأول و الأساسي للإنتاج ، لذلك فإن أكثر الناس حرصا على
السير الحسن للعمل لأية وحدة إنتاجية هو مالكها ، بالإضافة إلى أن هذا
النظام يحقق نوعا من العدالة الاجتماعية على أساس أنه ليس من المعقول ومن
العدل أن يحرم الفرد حيازته على شيء شقا وتعب كثيراً من أجله ، فبأي حق نمنع
فردا من امتلاك ثمرة عمله وجهده ؟ .
أن قيمة النظام الرأسمالي إذا نظرنا إليها من زاوية النجاح الاقتصادي لا
يمكن أن توضع موضع الشك و التقدم الصناعي و التكنولوجي و العلمي الذي حققته
الدول الرأسمالية دليل على ذلك ، ولكن هذا الرأي لم يصمد للنقد وذلك من
خلال الانتقادات التي وجهها الاشتراكيون بقيادة كارل ماكس التي يمكن
تلخيصها فيما يلي : أولاها أن النظام الرأسمالي لا إنساني لأنه يعتبر
الإنسان مجرد سلعة كباقي السلع وثانيها أن النظام الرأسمالي يكثر من
التوترات والحروب من أجل بيع أسلحته التي تعتبر سلعة مربحة و الدليل على
هذا دول العالم الثالث وفي هذا يقول جوريسكا إن الرأسمالي تحمل الحروب كما
يحمل السحاب المطر) ، كذلك يقول تشومبيتر الرأسمالية مذهب وجد ليدمر) ،
وثالثها أن النظام الرأسمالي أدى إلى ظهور الطبقية ـ برجوازية وكادحة ـ كما
أه نظام لا يعرف فيه الإنسان الاستقرار النفسي بسبب طغيان الجانب المادي
على الجانب الروحي كما أن هذا النظام أدى إلى ظهور الإمبريالية العالمية
بالإضافة إلى أنه يوجد ظاهرة البطالة وكذا التمييز العنصري في شكل لا يعرف
حداً وهذا النظام بدوره يقضي على الرأسماليين الصغار ، وأخيرا فإنه لا يوجد
تناسب فيما يخص الأجور وساعات العمل يقول ماركس إن الرأسمالية تحمل في
طياتها بذور فنائها) .
وعلى عكس الرأي السابق نجد أنصار النظام الاشتراكي الذي ظهر على أنقاض
الرأسمالية وأهم رواده كارل ماكس وزميله انجلز في كتابه ـ رأس المال ـ ويرى
ماركس أن المادية الجدلية هي المحرك الأساسي للتاريخ فالنظام الاشتراكي
يسعى من خلال توطين الشروط المادية إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وحياة
اقتصادية مزدهرة وهذا من خلال مبادئ و أسس أهمها : الملكية الجماعية لوسائل
الإنتاج ـ الأرض لمن يزرعها والمصانع للعمال ـ وكذلك التخطيط المركزي
بالإضافة إلى اعتماد نظام التعاونيات في الإطار الفلاحي وفتح المجال أمام
النشاط النقابي لحماية حقوق العمال وحل مشكلة فائض الإنتاج والصراع الطبقي
وكذا اعتماد مبدأ تكافؤ الفرص ، فالنظام الاشتراكي يعتمد كلية على الملكية
الجماعية لوسائل الإنتاج وذلك للقضاء على الظلم و استغلال الإنسان لأخيه
الإنسان وبث الروح الجماعية والمسؤولية الجماعية في العمل وتعتبر الدولة هي
الرأس المدبر و المخطط الأول و الأخير وهذا للقضاء على التنافس الذي يؤدي
إلى الصراع وتحكم الفئة الثرية في المؤسسات الاقتصادية بحكم تعارض المصالح
كما فتحت الدولة المجال أمام نظام النقابات وذلك لحماية حقوق العمال
وللاشتراكية صور متعددة ما هو شبيه بالرأسمالية ومنها من يقترب من النظام
الشيوعي ومنها ما هو وسط بين الطرفين .
لاشك أن النظام الاشتراكي استفاد من بعض عيوب الرأسمالية لكنه لم يستفد من
نقاطه أو جوانبه الإيجابية بل رفضه جملة وتفصيلاً وهذا الخطأ الذي ارتكبه
المنظرون الاشتراكيون ضف إلى ذلك أنه بالرغم من الغايات الإنسانية التي
يسعى إليها النظام الاشتراكي فقد أوجد جملة من السلبيات أهمها أنه فشل في
إيجاد حلول لظاهرة التسيب و الإهمال و اللامبالاة وروح الاتكال كذلك أنه
أوجد نوعا من التسيير البيروقراطي الإداري بالإضافة إلى ظهور المحسوبية و
الرشوة وضعف الإنتاج في ظل غياب المنافسة وكثرة البطالة هذا بالإضافة إلى
الخيال النظري الشيوعي الذي أدى إلى سوء تقدير الواقع و النتائج الاقتصادية
، كما أن توجه الدول الاشتراكية في انتهاج سياسة اقتصاد السوق و الانفتاح
على العالم وهذا ما يؤكده الواقع المعاش ـ الجزائر ـ .
إن النظامين الاقتصاديين السابقين وإن اختلفا في المبادئ و الغايات
الاقتصادية إلاّ أنهما مع ذلك لهما أساس علمي واحد يجمع بينهما فكلاهما ينظر
للحياة الاقتصادية نظرة مادية ويقيمها على شروط موضوعية وهذا لا يعني أنهما
تجردا من القيم الإنسانية ، غير أن فلسفة الاقتصاد في الإسلام تنظر إلى
الحياة الاقتصادية نظرة أكثر شمولاً و تعتني بالنواحي الإنسانية عناية خاصة
فقد تضمنت فلسفة الاقتصاد في الإسلام مبادئ وقواعد عامة لتنظيم الحياة
الاقتصادية تنظيما أخلاقيا من أجل تحقيق حياة متوازنة بين الفرد و المجتمع
وعلى هذا الأساس منحت الإنسان الحرية من الملكية لقوله?من عمر أرضا ليست
لأحد فهو أحق بها )، وقوله أيضاً من أحي أرضا ميتة فهي له)، ولكن قيدها
بالمصلحة العامة حتى لا تكون أداة لاستغلال الإنسان لأخيه الإنسان وجعلها
ملكية نسبية(حيث كل شيء لله)، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن الإسلام حرم كل
أنواع الربا و الغش و الاحتكار وكل ضروب الاستغلال .
وفي الأخير وكحوصلة لما سبق فإن الاقتصاد الحر لا يحقق لا الحياة المزدهرة
ولا العدالة الاجتماعية لأنها منبع المصائب والأزمات أما الاشتراكية فإنها
رغم فضحها لعيوب الرأسمالية لم يتسن لها تحقيق روح العدل ومن هنا فالنظام
الذي يحقق الحياة المزدهرة إنما هو النظام الذي يجمع بين عنصري الاقتصاد و
الأخلاق في آن واحد ألا وهو النظام الاقتصادي الإسلامي الذي يجعل من المال
كوسيلة وليس كغاية يقول تعالى المال و البنون زينة الحياة الدنيا و
الباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا )
الطريقة: الجدلية الدرس : الشغل و التنظيم الاقتصادي
الإشكال: هل يعمل الإنسان لإشباع حاجاته البيولوجية فقط؟ يعد الشغل بالنسبة
للإنسان نشاط فعال يسمح له بتغيير الطبيعة وإعطائها صورة مرغوب فيها فهو
خاصية وامتداد للفكر وفاعلية إنسانية موجهة لإنتاج أثر نافع وباعتبار أن
الإنسان يشترك مع غيره من أنواع الحيوان في جوانب عديدة ولأن هذا الكائنات
نشأت كلها في الطبيعة ومن ثمَّ فهي ثمرة من ثمراتها وإذا كان هناك فرق بين
الإنسان والحيوان فهل يكون هذا الفرق في الدرجة أم في النوع؟وسواء أكان
الاختلاف في هذا أو ذاك فلماذا يكد الإنسان ويشقى ولا يعرف الراحة والسكون
؟ هل لحاجة بيولوجية أم هناك مبررات أخرى لذلك؟ .
يرى أصحاب الاتجاه الطبيعي أن جذور الإنسان متأصلة في الطبيعة وأن ظروف
الحياة هي التي ألجأت الإنسان إلى الكد والعمل لسد الحاجات الحيوية من أكل
وشرب وملبس ومسكن فالإنسان في نظرهم كالحيوان يخضع لمنطق الحياة العضوية
،وضرورات الغرائز الحيوانية فهو لا يخرج عن كونه >مخلوقا طبيعيا< أو موجودا
بيولوجيا صرفا يعمل على تسخير الطبيعة والسيطرة عليها وكل هذا من أجل تحقيق
الوجود والعمل من أجل الاستمرار على وجه هذه المعمورة وهم يدعمون رأيهم
بأدلة فهم يرون بأنه لو كانت المنتجات الطبيعية كافية لما اشتغل كما هو
الحال بالنسبة للإنسان الأول وتاريخ الحضارات القديمة يثبت أن الشغل في بعض
المجتمعات كانت تنهض به فئة أخرى فالعمل الجسمي بصفة عامة في الفلسفة
اليونانية يحط من قيمة الفرد وقد جاءت العقيدة المسيحية تؤكد على هذه
النظرة إلى حد ما على أساس أن العمل نوع من العقاب الذي يعانيه المذنب.
إن هذا الموقف ينطوي على مغالاة فلو كان صحيحا لأقتصر الشغل على تلبية
الحاجات البيولوجية وما تجاوز العمل الإنسان إلى المستوى الحضاري
والاجتماعي هذا من جهة ومن جهة أخرى لو كان ذلك صحيحا لسمينا نشاط الحيوان
شغلا رغم أنه لا ينطوي على عقل .
وعلى عكس الرأي الأول السابق يرى الاجتماعيون أن الشغل ضرورة اجتماعية ونجد
أول من نظر في العمل نظرة فلسفية هيغل في أوائل القرن التاسع عشر 19م
بإقامته جدليته الشهيرة بين السيد والعبد وهو يرى أن العمل منبثق للحرية
أما عند برغسون فهو منبثق للعقل لأن الإنسان الحكيم هو قبل كل شيء إنسان
صانع إذ ليس العقل-كما يرى برغسون- إلا (القدرة على صنع أشياء صناعية
ولاسيما الأدوات التي تستخدم في صنع أدوات وفي تنويع الصنع تنويعا غير
محدود) كذلك نجد ماركس يرى أن العامل عندما يؤثر في الطبيعة الخارجية
ويغيرها فإنه يغير بذلك أيضا طبيعته هو نفسه وينمي ملكاته الذهنية الكامنة
فيه بالإضافة إلى كل هذا فقد حاول بعض المفكرين أن يعطوا لعمل معنى
ميتافيزيقيا وبالتالي معنى أخلاقيا إذ العمل في نظرهم هو تجسيم للقيم في
الواقع وقد قال ماركس (بالعمل يحقق الإنسان إنسانيته) كذلك أن العمل ينتزع
من نفسه ويحرره من الدائرة الذاتية التي كثيرا ما تأخذ شكل الاجترار الذاتي
وقد دلت التجارب على أن كثيرا من المصابين بالأمراض العقلية تخف اضطراباتهم
عندما يكلفون ببعض الأعمال الخفيفة مما يثبت أن العمل يعد إحدى دعائم الصحة
العقلية فالذي لا يعمل لا يعرف للوجود نظاما ولا للوقت انتظاما واتصالا ولا
للحياة اتزانا هذا من الناحية السيكولوجية أما من الناحية الاجتماعية فإن
الكسل والبطالة غالبا ما تكونان مطيتين للانحراف والإجرام وقد حثت الديانات
السماوية على العمل ومن بينها الإسلام وقد جاء في الأثر (ما أكل أحد طعام
قط خيرا من أن يأكل من عمل يده ) وقوله تعالى (فإذا قضيتم الصلاة فانتشروا
في الأرض واذكروا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون)
على الرغم من كل هذه الحجج إلا أن هذا الرأي لم يصمد للنقد ذلك أن من الناس
ممن يزالون يعملون لسد حاجاتهم الضرورية فقط كالأكل والمسكن والملبس كذلك
أن البعد الاجتماعي للشغل غير كاف لأنه لم يكن دائما ضرورة اجتماعية وواجبا
على جميع الأفراد بل اقتصر في حقبة من التاريخ على العبيد.
إن الشغل بالنسبة للإنسان كالقلب للجسم أو بمثابة الجسد للروح فلا يمكن أن
يستغني عنه فمن الناحية البيولوجية فهو يسد حاجياته الحيوية ومن الناحية
الاجتماعية فالإنسان كائن اجتماعي حضاري يعمل ليحقق وجوده في وسط المجتمع
بكل قيمته وكرامته .
وأخيرا وكحوصلة فأن الشغل وسيلة لا غنى عنها لسد ضرورات العيش لكن الإنسان
ليس كائنا بيولوجيا فقط بل له أيضا كرامة وقيمة وروح التسامي تقتضي منه أن
يشتغـــل .
الدين...اتراه مثبت او مخبر للقيمة الخلقية؟
تعتبر الديانات السماوية عموما أهم منابع القيم الأخلاقية ومن بينها
الإسلام الذي تنص تعاليمه على ضرورة الالتزام بالقيم الأخلاقية مستمدين ذلك
من القرآن الكريم و السنة النبوية الشريفة، ولذلك فإن لكل فريضة غاية
أخلاقية فالدين معاملة ، ومن ثم وجب علينا أن نبحث عن أسس مفارقة تتجاوز
المنفعة والعقل والمجتمع، وقد كان لعلماء الكلام دورا هاما في هذا المجال
وخاصة المعتزلة والأشاعرة، و التساؤل المطروح ما هو الاتجاه الأصح ؟ .
يرى الأشاعرة أن الأعمال الأخلاقية مصدرها الشرع فهم يرون أنه لا شيء حسن
ذاته أو قبيح ذاته وإنما الحسن ما حسّنه الشرع و القبيح ما قبّحه الشرع ولذلك
فالعقل عندهم لا يملك القدرة على التمييز بين الخير والشر، فالخير والشر
مصدرهما الدين عن طريق ما أمر به الله أو نهى عنه ، ولهذا يرى الأشعري أن
الواجبات كلها مسموعة ويستدلون بآيات من القرآن الكريم في قوله تعالىافعل
ما تؤمر) ، ومما استدل به الأشاعرة أيضاً لو كان الحسن والقبيح ذاتيين لكانا
دائمين في الأشياء والأفعال دون أي شرط في حين أننا نرى الشيء الواحد قد
يكون حسنا في موضع ويكون قبيحا في مواضع أخرى فالقتل يكون حسنا إذا كان
قصاصاً ويكون قبيحا إذا كان ظلما والشيء قد يكون حسنا في زمن ولا يكون كذلك
في زمن آخر ، كما قد تأتي شريعة بتحسين شيء ثم تأتي شريعة أخرى فتجعل الشيء
نفسه قبيحا) ، فالنسخ دليل على تعبئة الحسن القبح لأمر الشرع ونهيه .
لا يمكن إنكار ما ذهبوا إليه إذ بينوا أن حدود العقل لا يمكن تجاوزها ولكن
رأيهم لم يصمد للنقد ذلك أنهم أهملوا دور العقل في معرفة الفعل الأخلاقي عن
الفعل اللأخلاقي ويتضح هذا في اتجاهات العلماء في تمييز الفضائل عن الرذائل
والعكس تبعا للمستجدات التي تطرأ في الحياة .
وعلى عكس رأي الأشاعرة نجد المعتزلة الذين ينادون بالعقل فهم يرون أن جميع
الأعمال التي نعدها حسنة كالعدل والصدق والإحسان ذلك أننا نحكم عليها
بالحسن بالاعتماد على إدراكنا لها وإذا حكمنا كذلك على بعض الصفات من ظلم
وكذب وبخل فلأننا اعتمدنا على إدراكنا لها ، ومعنى هذا أن العقل قادر بذاته
على اكتشاف ما في الأشياء و الأفعال من حسن أو قبح ومن فساد أو صلاح ، وأمر
الشرع بأشياء كالأمانة والعدل ونهيه عن أشياء كالسرقة والقتل تابع لما فيها
من حسن وقبح وهو بهذا يخبر عن القيمة ولا يثبتها و العقل يدركها ولا ينشئها
، وللمعتزلة حجج شتى على هذا الموقف فمن الثابت تاريخيا أن الناس قبل وجود
الشرائع كانوا يحتكمون للعقل فيما ينشأ بينهم من خلاف وسند العقل في ذلك ما
يراه بذاته في الأفعال من حسن وقبيح ذاتيين دون استناد إلى الشرع إذ لم
توجد بعد أي شريعة وكان العقلاء آنذاك يستحسنون مثلاً الحفاظ على الأنفس
ويستقبحون العدوان، ومن الحجج المنطقية قولهم لو لم تجب المعرفة إلاّ بالشرع
للزم إفحام الرسل ولم تكن لبعثتهم فائدة ووجه اللزوم إلى الرسول ? إذ قال
لأحد: أنظر في نبوتي ومعجزتي كي يظهر صدقي لديك ، فله أن يقول : لا يجب علي
النظر في نبوتك ومعجزتك إلاّ بالشرع ولا يثبت الشرع ما دمت لم أنظر أن ثبوت
الشرع نظري لا ضروري وبهذا يفحم الرسول وتبطل دعوته وهذا غير صحيح ، ويثبت
بهذا أن القبح والحسن ذاتيان في الأشياء يدركهما العقل قبل ورود الشرائع
بالإضافة إلى هذا يوردون هاته الحجة التي مفادها أنه لو كان الحسن والقبح
مكتسبين من الشرع لما أمكن استعمال العقل في المسائل التي لم يرد فيها نص
شرعي ولأمتنع التعليل لأن التعليل قائم على ما في الأشياء و الأفعال من
صفات قائمة فيها وفي امتناع التعليل سد لباب القياس وتعطيل للأحكام على
الوقائع المستحدثة .
إن العقل قادر على التمييز بين الخير و الشر والإرادة تختار الفعل الممكن
لكن قد يخطأ أي شخص مثلاً فلا يدفع تذكرة سفر إلاّ إذا أدرك أن هذا الفعل
سرقة والسرقة حرام إذاً هذا ما يقوله المعتزلة ، إذاً هل يمكن أن تحل عاطفة
الخوف من الله محل عاطفة الاحترام وهل يخاف الله جميع الناس ؟ .
أن الخلاف القائم بين هاتين الفرقتين لا يقتصر فقط على الجانب الأخلاقي بل
يعتبر خلافا مذهبيا عاما يتعلق أساسا بمسألة الترجيح بين العقل والنقل
ولتفادي الوقوع في هذا الخلاف نعتبر أن الأخلاق الإسلامية تجمع بين
الجانبين بحيث يجب الالتزام بالنصوص من القرآن و السنة مع إمكانية عرضها
على العقل لنعرف ما وراء المحرم من مضار وما وراء الحلال من منافع ويتم ذلك
بإدراك المعاني و المقاصد .
وإذا أردنا الخروج بحوصلة لما سبق فإن الإسلام راع في مسألة الأخلاق ثنائية
الإنسان (العقل والطبيعة البشرية) بحيث نجد الإسلام يرفع بالأخلاق ولم
يعتمد في بنائها على مبدأ واحد كاللذة أو العقل أو المجتمع واتخاذها كقاعدة
عامة توجه أفعالنا فالإسلام يدعونا إلى طاعة أوامر الله واجتناب نواهيه وفي
نفس الوقت التوفيق بين متطلبات الواقع والجانب الخلفي للإنسان فالإنسان ليس
ملكا كما أنه ليس بشيطان .
الإشكال:إذا كانت اللغة تشكل عائقا للفكر فهل يجب رفضها ؟
يتبادل الناس الأفكار كما يتبادلون الأشياء ،ووسيلة هذا التبادل وطريقة هذا التواصل هي
اللغة التي يعرفها الجرجاني (هي كل ما يعبر به قوم عن أغراضهم)فلا ينحصر
الفكر في الكلام فقط.والفكر في جوهره نشاط عقلي يعتمد في أداء وظيفته على
استخدام المعاني وما يقابلها في اللغة من رموز والتفكير كما يقول كوندايك
(يرتد إلى فن إتقان الكلام) وهذا يعني أن اللغة والفكر مرتبطان أشد
الارتباط غير أن بعض المفكرين والفلاسفة يشكون من تقصير اللغة وعجزها عن
التعبير عن كامل أفكارنا وبعبارة أصح :هل نستطيع أن نفكر فيما نعجز عن قوله؟
يرى أصحاب الاتجاه الثنائي أن اللغة باعتبارها أداة عامة للتواصل بين
الأفكار لا تخرج عن كونها ألفاظا عادية ساكنة تقف في وجه الفكر وتقيم له
عقبة فاللغة كما يلاحظ جيسبيرسن(بمفرداتها وصيغتها الثابتة قد أجبرت الفكر
على أن يسلك سبلا مطروقة حتى أنهم اضطروا إلى اقتفاء أثر الأولين وآل بهم
الأمر إلى أن يكون تفكيرهم أشبه بتفكير من سبقهم)،وقد ذهب على شاكلة هذا
الطرح برغسون ،حيث يرى بأن الفكر مستقل عن اللغة وأن اللغة تقيد الفكر
وتستعبده ،كما يرى أيضا أنه لا يوجد تناسب بين ما نملكه من أفكار وما نملكه
من ألفاظ ،فالألفاظ محدودة ،والأفكار غير محدودة فكيف يمكن للمحدود أن
يستوعب اللامحدود يقول برغسون(إن كلماتي من جليد فكيف تحمل بداخلها النيران
وإن المعاني تموت عند سجنها في القوالب اللغوية)؛وفي هذا يقول ( الألفاظ
قبور المعاني)،ويرجع أصحاب هذا الموقف عدم التناسب إلى كون اللغة واحدة منذ
القدم لم تتطور بينما الأفكار تتطور كل يوم ،بالإضافة إلى كل هذا فإن الفكر
تتجاوز دلالة الألفاظ ؛ حيث أن اللفظ لا يعبر إلا عما اصطلح وتعارف عليه
المجتمع كذلك أننا في حياتنا اليومية يستعصي علينا التعبير عن بعض المعاني
(كما كان يحدث مع الصوفية الذين يرون صعوبة التعبير عن تجاربهم النفسية >من
ذاق عرف<يطلبون منا أن نعاني تجربتهم لنذوق ما ذاقوا) وكذلك أن الفكر متصل
والألفاظ منفصلة حيث تتدفق المعاني ككل متصل يجعل الألفاظ عاجزة على أن
تسعه وقد جاء هذا في القرآن الكريم في بعض الآيات في قوله تعالى (ولو أن ما
في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله
) ،وقوله أيضا (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد
كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا) بالإضافة إلى كل هذا يمكن التعبير عن
الألفاظ والمعاني دون استخدام اللغة مثل الرسم والموسيقى و إشارات الصم
والبكم .
إن هذا القول بهذا الرأي لم يصمد للنقد ذلك أننا لا نستطيع أن نجزم
باستغلال الفكر عن اللغة إذ كيف يمكن أن نتمثل في الذهن تصورات لا اسم لها
، ومهما ألح برغسون على عجز اللغة ومخاطرها فهو يطالب بإخضاع اللغة هذه إلى
تعديلات عميقة وشاملة حتى تؤدي دورها يقول(إن اللغة يجب أن تكون على درجة
من السيولة والمرونة مما يجعلها قادرة على متابعة الفكر الحي في سيولته
وتدفقه المستمر) وكيف تتمايز الأفكار فيما بينها لولا اندراجها في قوالب
لغوية .
إن هذا الموقف السلبي يوحي بأمرين :1-إن الفكر قد يوجد في صورة عالية عن
الألفاظ .2-أن اللغة يجب ألا تستعبد الفكر الحر .
وعلى عكس الرأي الأول نجد من يقول بالتلاحم بين الفكر واللغة وبين المعاني
والألفاظ فمعظم الفلاسفة اللغويين يؤكدون وجود وحدة بين اللغة والفكر وشبه
هاملتون اللغة بورقة وجهها الفكر وظهرها الصوت ويشبه ماكس موليير ذلك
التداخل بين اللغة والفكر بقطعة نقد الفكر وجهها واللغة ظهرها يقول (ليس ما
ندعوه فكرا إلا وجها من وجهي قطعة النقد والوجه الآخر هو الصوت المسموع
والقطعة شيء واحد غير قابل التجزئة فليس ثمة فكر ولا صوت ولكن كلمات). وقد
شبهت اللغة بالقلم والفكر بالمداد أو الجسد والروح ،فالفكر واللغة شيء واحد
ذلك أننا نفكر باللغة ونتكلم بالفكر وأن الكلام غير المنظم فكريا ليس لغة
بل ثرثرة لا طائل منها ونجد دو لاكروا يقول (إن الفكر يصنع اللغة وهي
تصنعه) ،ويقال أن ما ندركه جيدا نعبر عنه بوضوح كذلك يقول واطسن ( التفكير
ضرب من الكلام الصامت ) ويؤكد ذلك كوندياك حيث يرى أن فن التفكير يرتد إلى
فن إتقان الكلام ،إذا فلا تمييز بين الفكر واللغة ويقول هيغل (إن الرغبة في
التفكير بدون كلمات محاولة عديمة الجدوى لأن الكلمة تعطي للفكر وجوده
الأسمى ) ويقول ستالين (مهما كانت الأفكار التي تجئ إلى فكر الإنسان فإنها
لا تستطيع أن تنشأ وتوجد إلا على أساس مادة اللغة) ،ويقول هاملتون (إن
المعاني شبيهة بشرارة النار ما إن تومض فإنها سرعان ما تنطفئ ولا يمكن
إظهارها وتثبيتها إلا بالألفاظ)؛إن هذا الرأي يقوم على أنه لا وجود لمعنى
إلا إذا تمايز عن غيره من المعاني بإشارة تسمح للغير بإدراكها ،فعلم النفس
المعاصر كشف على أن تكوين المعاني لدى الأطفال يتقدم مع تقدم اكتسابهم للغة
وزيادة رصيدهم اللغوي وأن الطفل بتعلمه اللغة يتعلم التفكير ويسير في
ارتقائه اللغوي وفقا لارتقاء فهمه وقد لوحظ أن فقدان اللغة يلازمه اختلال
في المقومات الذهنية ،كذلك أن افتراض معان عصية عن الألفاظ وافتراض خيالي
إذ لا يكون لهذه المعاني وجود واقعي ما لم تحددها الألفاظ كما أن الأفكار
التي لا تضبط بكلمات سرعان ما تزول وتندحر وفي هذا يقول هاملتون (الألفاظ
حصون المعانــــــي) .
هذا الرأي هو الآخر لم يصمد للنقد حيث أنه مهما وافقنا على وجود تطابق بين
الأفكار والألفاظ فإنه يجب أن نعترف بوجود تفاوت بينهما إذ نجد في أنفسنا
عدم التناسب بين قدرتنا على الفهم وقدرتنا على الأداء وهذا يعني أن الإنسان
يفهم معاني اللغة أكثر مما يحسن ألفاظها >نفهم اللغة الأجنبية أكثر مما
نتقن التكلم بها، ومع كل هذا فإننا نعترف بأنه كلما كانت لغتنا سليمة كنا
أقدر للتعبير عن أفكارنا وفي هذا يقول كوندياك (نحن لا نفكر بصورة حسنة أو
سيئة إلا لأن لغتنا مصنوعة صناعة حسنة أو سيئة) ،فبقدر ما تكون اللغة في
أمة من الأمم متطورة بقدر ما تتاح الفرصة لهم لتملك زمام الحضارة الإنسانية
والمعرفة العلميـــــــــة .
إن العيب الذي تؤاخذ عليه النظريتان هو أنهما جزأتا اللغة عن الفكر والفكر
عن اللغة إلا أن هذين الأخيرين بمثابة الجسد للروح لا يمكن لأحدهما أن
ينفصل عن الآخر ولا يمكن له أن يستمر في الوجود دون وجود الثاني كذلك أنه
توجد علاقة بين الفكر واللغة على مستوى التأثير المتبادل ويمكن الاستدلال
على ذلك حيث أن علم النفس الفيزيولوجي أثبت أن للدماغ البشري مراكز خاصة
باللغة (مراكز :الكلام ، الرؤية ،السمع …) ؛وهناك مراكز خاصة بالعمليات
العقلية كالتفكير والذاكرة والذكاء ,وإذا ما تعرض مركز من هذه المراكز لخلل
بسبب صدمة مثل حالة معطوبي الحرب يكون له انعكاس على التفكــــــير .
وإذا أردنا الخروج بحوصلة فإن اللغة حقا لا تعبر إلا عن قليل من مضمون
الفكر ،ولكن لا ينبغي رفضها لأن الفكر بأوسع معانيه بحاجة إليها فهي
بالنسبة له أداة تنظيم وتوضيح ونمو والعجز الذي يصيب اللغة لا يجب أن يوحي
برفضها كوسيلة للتواصل ،وإن التخلي عنها يعني إنكار الفكر وهذا ضرب من
الحلم الكاذب .
الإشكال:هل ترى أن المفاهيم الرياضية في تطورها نابعة من التجربة أم من العقل ؟
لقد انقسم المفكرون في تفسير نشأة المفاهيم الرياضية إلى نزعتين ،نزعة
عقلية أو مثالية يرى أصحابها أن المفاهيم الرياضية من ابتكار العقل دون
التجربة ،ونزعة تجريبية أو حسية يذهب أنصارها إلى أن المفاهيم الرياضية
مهما بلغت من التجريد العقلي فإنها ليست من العقل في شي وليست فطرية ؛بل
يكتسبها الإنسان عن طريق تجاربه الحسية فما حقيقة الأمر ؟فهل المفاهيم
الرياضية في نموها انبثقت من التجربة أم من العقل ؟
يرى أصحاب الاتجاه المثالي أو العقلي أن المفاهيم الرياضية نابعة من العقل
وموجودة فيه قبليا فهي توجد في العقل قبل الحس أي أن العقل لم يفتقر في
البداية إلى مشاهدة العالم الخارجي حتى يتمكن من تصور مفاهيمه وإبداعها وقد
كان على رأس هذه النزعة أفلاطون الذي يرى أن المعطيات الأولية الرياضية
توجد في عالم المثل فالخطوط والأشكال والأعداد توجد في العقل وتكون واحدة
بالذات ثابتة وأزلية يقول أفلاطون(إن العلم قائم في النفس بالفطرة والتعلم
مجرد تذكر له ولا يمكن القول أنه اكتساب من الواقع المحسوس)؛فهو يرى أن
المفاهيم الرياضية لا ندركها إلا بالذهن وحده ،فالتعريفات الرياضية مجالها
ذهني ولا تتحقق إلا بواسطة العقل دون حاجة إلى المحسوسات فالتعريفات
للحقائق الرياضية واحد لا يتغير واضح متميز وعلى شاكلة هذا الطرح ذهب
ديكارت إلى أن الأعداد والأشكال الرياضية أفكار لا يجوز فيها الخطأ وفي هذا
يقول (إنها ما ألقاه الله في الإنسان من مفاهيم)أي بمعنى المفاهيم الرياضية
ويؤكد مالبرانش من جهته ذلك حيث يقول(إن العقل لا يفهم شيئا ما إلا برؤيته
في فكره اللانهائي التي لديه وأنه لخطأ خالص أن تظن ما ذهب إليه فلاسفة
كثيرون من أن فكره اللانهائي قد تكونت من مجموعة الأفكار التي تكونها عن
الأشياء الجزئية بل العكس هو الصحيح ،فالأفكار الجزئية تكتشف وجودها من
فكره اللانهائي كما أن المخلوقات كلها تكتسب وجودها من الكائن الإلهي الذي
لا يمكن أن يتفرع وجوده عن وجودها )إننا فيم يقول لم نخلق فكرة الله ولا
فكرة الامتداد بكل ما يتفرع عنها من حقائق رياضية وفيزيائية فقد جاءت إلى
عقولنا من الله و يمكن أن نضم كانط إلى هذه النزعة رغم أنه كان يقصد
التركيب بين التفكير العقلي والتفكير الحسي فهو يرى أن الزمان والمكان
مفهومان عقليان قبليان سابقان لكل معرفة تجريبية ويؤطرانها وهم يرون أن هذه
الحقائق تدعم نظرتهم وهي كالتالي :إن الملاحظة لا تكشف لنا على الأعداد بل
على المعدودات كذلك أن المكان الهندسي الذي نتصوره على شكل معين يشبه
المكان الحسي الذي نلاحظ بالإضافة إلى أن الخط المستقيم التام الاستقامة لا
وجود له كذلك بعض القوانين كالعلاقات بين الأشكال كما أن الكثير من المعاني
الرياضية مثل 0.7 لا ترجع إلى الواقع المحسوس .
إن القول بهذا الرأي لم يصمد للنقد ذلك أنه مهما تبدو المعاني الرياضية
مجردة فإنه لا يمكن القول بأنها مستقلة عن الواقع الحسي و إلا فكيف نفسر
الاتجاه التطبيقي للهندسة لدى الشعوب القديمة خاصة عند الحضارات الشرقية في
استخدامها الطرق الرياضية في الزراعة والحساب وهذا ما يدل على ارتباط
الرياضيات أو التفكير الرياضي بالواقع .
وعلى عكس الرأي السابق نجد أصحاب المذهب الحسي أو التجريبي مثال جون لوك
*دافيد هيوم* جون ستورات مل يرون أن المفاهيم الرياضية في رأيهم مأخوذة-مثل
جميع معارفنا- من صميم التجربة الحسية ومن الملاحظة العينية ،فمن يولد
فاقدا لحاسة فيما يقول هيوم لا يمكن بالتالي أن يعرف ما كان يترتب على
انطباعات تلك الحاسة المفقودة من أفكار فالمكفوف لا يعرف ما اللون والأصم
لا يعرف ما الصوت ،إن الانطباعات المباشرة التي تأتينا من العالم الخارجي
هي بمثابة توافد للأفكار ومعطيات للعقل ،ونجد جون ستوارت ميل يرى (أن
المعاني الرياضية فيما يقول والخطوط والدوائر التي يحملها كل واحد في ذهنه
هي مجرد نسخ من النقط والخطوط والدوائر التي عرفها في التجربة ) ،وهناك من
الأدلة والشواهد من الواقع النفسي ومن التاريخ ما يؤيد هذا الموقف ،فعلم
النفس يبين لنا أن الأعداد التي يدركها الطفل في بادئ الأمر كصفة للأشياء
ولكنه لا يقوى في سنواته الأولى على تجريدها من معدوداتها ثم أنه لا يتصور
إلا بعض الأعداد البسيطة فإذا ما زاد على ذلك قال عنه (كثير ) فمثلا لو
أعطينا طفل ثلاث حبات زيتون وأعطينا بالمقابل أخاه الأكبر خمس حبات فنلاحظ
أن الطفل الصغير يشعر بضيق كبير لأنه يرى أن حصته أقل من حصة أخيه لكن حكمه
لا يستند إلى أن حصة أخيه الأكبر تفوقه بـ (2) لأن هذه العملية تتطلب منه
النظر إلى كمية الزيتون باعتبارها وحدات مجردة من منافعها ثم طرح مجموع
الوحدات التي لديه من مجموع الوحدات التي كانت من نصيب أخيه وهذه العملية
ليس بوسع الطفل القيام بها في مرحلته الأولى ،كذلك أن الرجل البدائي لا
يفصل هو الآخر العدد عن المعدود فقد كان يستخدم لكل شيء كلمة خاصة به فمثلا
العدد(2) يعبر عن جناحي الطير والعدد (4) يعبر عن قدمي الطير وقد كان لليد
تأثير كبير في الحساب حتى قال أسبيناس أنها أداة الحساب ،إذن فالمفاهيم
الرياضية بالنسبة لعقلية البدائي والطفل لا تفارق مجال الإدراك الحسي
وكأنها صفة ملامسة للشيء المدرك كالطول والصلابة .أما من التاريخ فتاريخ
العلوم يدلنا على أن الرياضيات قبل أن تصبح علما عقليا قطعت مرحلة كلها
تجريبية ودليل ذلك أن العلوم الرياضية المادية هي التي تطورت قبل غيرها
فالهندسة كفن قائم بذاته سبقت الحساب والجبر لأنها أقرب للتجربة ويظهر أيضا
أن المفاهيم الرياضية الأكثر تجريدا أخذت نشأتها بمناسبة مشاكل محسوسة مثل
تكعيب البراميل وألعاب الصدفة التي عملت على ظهور حساب الاحتمالات .
إنه لمن الواضح أن العلم لا يجد أية صعوبة في تطبيق هذه المعاني ولكن هذا
لا يعني أن ننكر دور العقل في تحصيل هذه المعاني ولهذا ظهر الاتجاه
التوفيقي بين الطرفين .
إن الخطأ الذي وقع فيه المثاليون والتجريبيون هو أنهم فصلوا العقل عن
التجربة والحق أنه لا وجود لعالم مثالي أو عقلي ولأعداد وأشكال هندسية
تتمتع بوجود لذاتها مثل الأفكار الأفلاطونية والقوالب الكانطية القبلية
ونجد جون بياجي الذي يرى أن للعقل دورا إيجابيا ذلك أن عملية التجريد
واكتساب المعاني عمل عقلي ويرى في المقابل أن العقل لا يحمل أي معاني فطرية
قبلية بل كل ما فيه قدرة على معرفة الأشياء وتنظيمها ويرى كذلك جون سارتون
أن العقل لم يدرك المفاهيم الرياضية إلا من جهة ارتباطها بلواحقها المادية
ولكنه انتزعها بالتجربة من لواحقها حتى أصبحت مفاهيم عقلية بحتة ،وأيضا نجد
بوانكاري يقول (لو لم يكن في الطبيعة أجسام صلبة لما وجد علم الهندسة
فالطبيعة في نظره بدون عقل مسلط عليها لا معنى لها يقول أحد العلماء
الرياضيين (إن دراسة معمقة للطبيعة تعد أكثر المنابع إثمارا للاكتشافات
الرياضية)
لا شك
لقد اختلف فلاسفة الأخلاق في تأطير هم للسلوك و كل ذلك ابتغاء تأطيره و
الحكم عليه ساعين من خلال عمليهما إلى تحديد العناصر التي تجعله ذا قيمة و
دلالة أخلاقية , و هذا من خلال ما يضفون عليه من قيم إنسانية ينشدها الفرد
في فعله فإذا كان الإنسان من خلال قيامه بالفعل الأخلاقي يلتزم بمعايير و
قيم أخلاقية معينة فهل أساس هذا الفعل و قوامه أن يكون فاعله مجبرا عليه ؟.
يرى النفعيون و على رأسهم أرستيب القورينظي والذي يعتبر المؤسس الأول لمذهب
اللذة الفردية فهو يرى أن اللذة هي مقياس العمل الخلقي , فالعمل خير بمقدار
ما فيه من لذات و شر بمقدار ما فيه من آلام و اللذة عي الباعث للعمل و في
هذا يقول أي عمل لا يخضع للذة و الألم و أي شيء غير اللذة لا يمكن أن يكون
باعثا على العمل , اللذة هي الخير الأعظم و هي مقياس القيم جميعا هذا هو
صوت الطبيعة فلا خجل و لا حياء و ما القيود و الحدود إلا من وضع العرف ) _
ثم إن هذه اللذة التي تحملنا متع الدنيا و القناعة باللحظة الحاضرة تجعلنا
في مستوى واحد مع الحيوان ـ و لعل هذا ما جعل أبيقور يطور هذا المذهب من
اللذة إلى المنفعة لكنه مع ذلك يبقى مخلصا للمذهب السابق فهو يرى أن
الإنسان يوجه أعماله للحصول على اللذة غير أنه يختلف معه في القول بأن هناك
لذات أفضل من لذات عكس أرستيب الذي لا يفرق بين لذة وأخرى، إذن فما دامت
هناك لذات أفضل فإنه يجب أن نمسك بزمام شهواتنا فنرفض اللذة إذا كانت
متبوعة بألم أكبر منها، ونتحمل الألم إذا كان متبوعا بلذة أكبر منه فاقتلاع
الضرس المسوس على الرغم مما فيه من ألم أفضل من تركه ولكي يسهل علينا
اقتناء اللذات الأنفع يمدنا ببعض القواعد أولها أن إلى اللذات التي لا
يعقبها أي ألم،وثانيها أن نبتعد عن الألم الذي لا يولد شيئا من
اللذات،وثالثها أن نجتنب اللذة التي تفقدنا لذة أعظم منها،وأخيرا أن نقبل
بالألم الذي يضمن لنا لذة أرجح من ذلك الألم أو يخلصنا من ألم أعظم منه،وقد
ذهب وعلى شاملة هذا الطرح وبعد عشرين قرنا هوبز(1588-1697م) فهو يرى مثل
أبيقور أن اللذة الشخصية هي المقياس الخلقي،وأن الإنسان الطبيعي لا يعرف
إلا أنانية محضة فإن أي إنسان بطبيعته لا يبعثه على الفعل إلا حبه لنفسه
وليس له أي باعث آخر إنه أناني بطبعه لا يطلب إلا خيرا لنفسه،ونجد كذلك
الفيلسوف الإنجليزي بينتام (1748-1832) أنه يجب أن يكون في المنفعة العامة
لا الشخصية فاللذة التي نسعى إليها ليست لذة العامل وحده بل لذة كل من لهم
علاقة بالعمل لذلك يجب علينا أن نحكم على الأعمال بالخيرية أو الشريرة أن
ننظر فيما ينتجه العمل من اللذات و الآلام لا لأنفسنا فحسب بل للنوع البشري
كله فالقاضي مثلا عندما يقبل الرشوة تعد رذيلة حتى وإن انتفع بها هذا
الأخير لأنها تؤدي إلى حالة من الفوضى فتكثر المظالم وتضيع حقوق الناس يقول
بينتامالمنفعة خاصية الشيء الذي تجعله ينتج فائدة أو لذة أو خيرا أو سعادة
وخاصية الشيء التي تجعله يحمي السعادة من الشقاء والألم والشر والبؤس
بالنسبة للشخص الذي تتعلق به المنفعة)،ولقد وضع بينتام صفات محددة للمنفعة
هي كالتالي: الشدة، الخصب ،الدوام ،الصفاء ،القرب و الاتساع . وأخيرا جون
ستوارت ميل (1806-1873) الذي يختلف مع أستاذه بينتام فهو يرى أن تقدير
اللذات يجب أن يعود إلى مشورة أناس خبراء لا إلى الفرد و قد أقام ميل قاعدة
السلوك الأخلاقي هي أن نعمل من أجل الآخرين ما ينبغي أن يفعلوه من أجلنا .
الواقع أن بناء الأخلاق على الطبيعة البشرية يلغي كل إلزام وكل مشروعية لها
لأنه ما دام من طبيعة الفرد أن يسعى إلى ما يسره وينفعه فإنه لا يمكن أن
نطلب منفعة غيره وإن كانت هذه الأخلاق تدعي الواقعية فإنها فقدت وظيفتها في
تقييم السلوك و السمو به نحو المثل العليا يقول غولبرإن تقدير قيم اللذات
على الرغم من اختلاف طبيعتها و نوعها وقربها بالإسناد إلى حساب شدتها
وامتدادها وقربها وقد يوصلنا إلى قائمة طويلة من الأرقام لكنها أرقام
تعسفية لا تخضع إلاّ للعبث و الأهواء).
وعلى عكس الرأي السابق يرى أنصار الاتجاه العقلي أن هذا الأخير هو مصدر
القيمة الأخلاقية فهو تلك الماهية الخالدة التي لا تتأثر لا بالزمان و لا
بالمكان فبه نحكم على الأشياء و نقومها وبه نهتدي في تصرفاتنا يقول
ديكارتالعقل هو أعدل الأشياء توزيعا بين الناس) ،فالعمل الأخلاقي هو كل ما
يصدر عن اقتناع واختيار ومعرفة لذلك فإن أحكامه ضرورية تصلح لتقويم السلوك
فالعقل هو أداة الإدراك و التبرير ولا يتم التمييز بين الخير و الشر إلاّ
بالعقل فإنه ينطوي على مبدأ عدم التناقض يقول الدكتور محمد بدوي في كتابه
(الأخلاق بين الفلسفة وعلم الاجتماع) هناك قوة كامنة في نفس الإنسان لا
تهيئ له النصح و تضيء له السبيل فحسب بل إنها تحدد له ما يجب عمله وما يجب
تحاشيه ،هذه السلطة الكامنة التي تسيطر على قدراتنا وعلى غرائزنا السفلى
وهي أسمى جزء في نفوسنا هي العقل فخارج ما يأمرنا به العقل لا تكون هناك
قاعدة أو سلوك له ما يبرره وسلطة العقل هي السلطة الشرعية الوحيدة). وعلى
شاكلة هذا الطرح نجد كانط يجعل من العقل مصدرا للحياة الأخلاقية ليقطع به
الطريق أمام العواطف المندفعة فيحتكم الناس إلى صرامته ونزاهته فهو يصدر من
الإرادة خيرا فالإرادة الخيّرة هي التي تعمل بدافع الواجب لا طبقا للواجب
فقط لأن هناك بعض الأعمال يمكن أن تتمة طبقا للواجب لكن بدافع المنفعة لا
بدافع الواجب إذا فالإرادة الخيرة هي التي يكون الدافع إليها هو شعور
الاحترام الذي يولده فينا مجرد تصور القانون ،إذاً فالإنسان الأخلاقي يؤدي
فعله كممثل للإنسانية برمتها.
بما لأن الفعل الأخلاقي لا يمكن أن يكون أخلاقيا وهو خال من الأهواء خاضعا
للعقل و للإرادة الخيرة فإن السلوك الأخلاقي هو السلوك الصادر عن الإنسان
الواقعي الذي تتجاذبه الأهواء و الرغبات و الذي بإمكانه أن يؤدي أن يؤدي
فعلاً خلقيا يكون ناتجاً عن حكمة في التصرف قوامها بناء سلوك ما تكون فيه
الأهواء و الرغبات تعمل وفق ما يمليه العقل .
على ضوء ما سبق ذكره نصل إلى أن الجزاء أمر ضروري باعتباره عامل ضغط خارجي
يحدد السلوك و يقيمه لكنه غير كاف يحتاج إلى أمر مقابل يتمثل في الضغط
الداخلي أو التأثير الذي يحدثه العقل قبيل وأثناء القيام بالسلوك .
الطريقة:جدلية. الدرس: إشكالية العدل.
الإشكال:هل يمكن تحقيق العدالة الاجتماعية في ظل الفروق الفردية ؟.
إن مفهوم العدل لم يصبح مفهوما شائعا في عصرنا الحاضر إلا بعد الثورات
الكبرى التي أرقيت فيها الدماء و أزهقت فيها الأرواح البشرية و التي بها
ثائرون متعطشون إلى الإخاء ضد الاستبداد و الطبقية و الاستغلال و صار مفهوم
العدل كثيرا ما يقرن بمفهوم المساواة و يعتقد أن العدل في المساواة و الظلم
في التفاوت و لكن أليس المساواة المطلقة ظلما ؟ لقد اختلف المفكرون في
الإجابة عن هذا السؤال فمنهم من قال بالمساواة لأنها عدل و منهم من رفضها
لأنها ظلم و حتى نصل إلى الرأي الذي يبدو لنا صحيحا و نأخذ به لابد من عرض
الموقفين:
يرى أصحاب التفاوت أن العدل يتأسس على احترام الفوارق الموجودة و يوردون
حججا تتعلق بالفوارق الطبيعية و الفوارق الاجتماعية فهم يرون أن الأفراد
منذ ولادتهم يتميزون عن بعضهم البعض فلكل منهم قدراته و مواهبه الجسمية و
العقلية الخاصة به فمنهم الضعيف و منهم القوي , منهم الذكي و منهم الغبي ,
فمن الظلم أن تمنح الغبي و غير الكفء منصبا إداريا ممتازا , لقد كان هذا
رأي أرسطو فهو يزعم أن التفاوت قانون الطبيعة فهو يعترف بأن استغراق البعض
للبعض الآخر هو ضرورة طبيعية و مادام الناس مختلفين من حيث الخصائص العقلية
و الفيزيولوجية فلا بد فيما يرون من توسيع شقة الاختلاف بينهم يقول كاريل
أليكس*عالم فيزيولوجي و جراح فرنسي*فبدلا من أن نحول تحقيق المساواة عبر
اللامساواة العضوية و العقلية يجب أن نوسع دائرة هذه الاختلافات و ننشئ
رجالا) و هو يوضح القول قائلاإن تقسيم سكان البلاد الحرة إلى طبقات مختلفة
لا يرجع إلى المصادفة أو العرف الاجتماعي و إنما هو مؤسس على قواعد
بيولوجية صلبة و كذلك على قدرات الأفراد الفيزيولوجية و العقلية) ففي
المجتمع الديمقراطي كما ترى *فرنسا , بريطانيا* استطاع كل شخص أن يجد فرصته
خلال القرن (19م) ليرتفع إلى المركز الذي مكنته مقدرته من بلوغه , لكن
اليوم عامة الشعب يدينون بمراكزهم إلى الضعف الوراثي لأعضائهم و عقولهم
بالإضافة إلى هذا الرأي فقد تبنى هذا الموقف بعض الأديان القديمة
(الإبراهيمية) و التي بادروها بتقسيم الناس إلى أربع طوائف أعلاها الكهنة و
البراهمة و أدناها السفلة و الأنجاس , و حديثا نجد اليهود الذين زاعمو أنهم
وحدهم شعب الله المختار بالإضافة إلى الحركة النازية التي قسمت الجنس
البشري إلى طبقات أسماها الآري ولقد علل أنصار هذا الضرب من الفوارق
الاجتماعية منها و الطبيعية بأنها كحافز يدفع الأفراد إلى السعي و النشاط
ذلك بأن الإنسان بطبعه مفطور على أن يسعى وراء آماله الواسعة و محاولة
تحقيقها، فحياة بعض الناس في الرفاهية وتمتعهم بالكماليات يثير فيمن هم
دونهم رغبة أقوى في العمل قصد الوصول إلى طموحاتهم فهو ينكر وجود تفاوت بين
الناس في مكانتهم وقدراتهم وهذا لا يعني عدم مساواتهم أمام العدالة في أن
أي تفاوت يتحول إلى ظلم.
إلاً أن هذه النزاعات تشبه إلى حد ما المبادئ التي انطلق منها التوسع
الاستثماري الحديث يدّعون أن القوي له الحق بل ومن العدل أن يحتل الضعيف
ويسير شؤونه المختلفة ويثبت العلماء أن العرق الصافي من المستحيل وجوده أي
أن كل بلاد العالم مزيج من العروق حتى أن الدم الذي تفتخر به ألمانيا نفسها
هو دم هجين إلى حد بعيد أكثر من غيره لا بل إن الواقع يؤكد أن الدم الهجين
باعث على التقدم و الحيوية .
وعلى عكس الرأي الأول ظهر اتجاه ثان يرى بأن الناس خلقوا متساوين وفي هذا
المعنى يقول شيشرون الخطيب الروماني(الناس سواء وليس أشبه من الإنسان
بالإنسان لنا جميعا عقل ولنا حواس وإن اختلفنا في العلم فنحن متساوين في
القدرة على التعلم)، وهو يقصد بهذا أن الناس سواسية لا من حيث ملكاتهم
العقلية وكفاءاتهم وإنما لهم طبيعة بشرية واحدة أنهم سيختلفون فيما سيحصلون
عليه أثناء عملهم وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول تنويها بالمساواة
العادلةمتى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً)، أي متساوين في جميع
الحقوق كحق الحرية وحق الحياة و المعاملة ، و أن الناس لم يولدوا منقسمين
إلى طبقة أسياد وطبقة عبيد وليس لأحد حق السيادة على الآخرين بسبب ما يجري
في عروقه من دم أرستقراطي، إنما خلق الناس طبقة واحدة وكتب توماس جيفرس في
إعلان الاستقلال الأمريكي (إن جميع الناس قد خلقوا متساوين) كما يقول أن
العدل هو احترام الكرامة الإنسانية مهما كان الأشخاص ومهما كانت الظروف
الطبيعية و الاجتماعية التي تتعرض له فلابد من تجاوزها) ، ويرى أيضا (العدل
في أسمى معانيه هو تجاوز الحدود و الفوارق الاجتماعية).
بالرغم من أنه لا يمكن إنكار أهمية المساواة و ضرورتها للمجتمع و الأفراد
إلاّ أنه لا يمكن من مستوى الحقوق و الواجبات إلى مستوى يتعارض فيه الناس
على حسب إمكانياتهم فلكل واحد إمكانياته الخاصة به بالإضافة إلى أنه لو
ساوينا كل الناس في جميع المستويات العقلية و الجسدية و العلمية فكيف يحد
من بعضهم بعضاً .
إن العدل معناه إزالة الفوارق المصطنعة و المظالم والفروق الواسعة التي
نشأت بطرق غير مشروعة ولابد من فتح الطرق أمام الجميع و تحقيق مبدأ تكافؤ
الفرص في جميع المجالات وإذا كان لا فضل لعربي عل عجمي إلاّ بالتقوى فإن
الله سبحانه وتعالى يقول ورفعنا بعضكم فوق بعض درجات) ولكن هذا لا يعني أن
العدل معناه المساواة المطلقة بل إعطاء كل ذي حق حقه وفق جهده و عمله .
وإذا أردنا الخروج بحوصلة فإن العدل ليس مساواة مطلقة و ليس كل تسمى بلا
حدود ولا قيود فهناك فروق لا حيلة لنا فيها كالفروق الطبيعية .
إذا فالعدل هو الاحترام الصارم للحقوق لكل ذي كرامة وهو حرب ضد كل العمليات
الاحتيالية أي العمليات التي من شأنها أن توفر المساواة .
الإشكال:هل النظام الرأسمالي كفيل بتحقيق الرخاء الاقتصادي؟
تختلف النظم الاقتصادية ماضيا باختلاف موقعها من الملكية وما يصل بها من
حيث النوع والحقوق و الواجبات فهناك من حيث النوع قسمان ،ملكية فردية وهي
التي يكون فيها المالك معنيا ، وملكية جماعية وهي التي يكون فيها المالك
معنويا أي معين في شخص بعينه كالدولة و العشيرة و القبيلة ومن هنا فقد
اختلف جمهور الفلاسفة في تحديد النظام الاقتصادي الذي يحقق ازدهاراً
اقتصادياً و بالتالي نتساءل : هل النظام الرأسمالي كفيل بتحقيق حياة
اقتصادية مزدهرة أم أن هناك نظاما آخر كفيل بذلك ؟ .
يرى أنصار النظام الليبرالي ـ الرأسمالي ـ أن هذا الأخير كفيل بتحقيق حياة
اقتصادية مزدهرة و يستندون في ذلك إلى حجج و براهين بحيث يعتمد على مبادئ
تعد الركيزة الأساسية التي يستند إليها في تعامله ومن أهمها الملكية
الفردية لوسائل الإنتاج و كذا المنافسة الحرة التي تضمن النوعية و الكمية و
الجودة بالإضافة إلى عدم تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية و كذلك نجد
قانون العرض و الطلب وهو قانون طبيعي يحدد الأسعار و الأجور فإذا زاد الطلب
قل العرض و العكس ، ومن كل هذا نستنتج أن فلسفة النظام الرأسمالي تقوم على
مسلمة واحدة و أساسية هي أن سبب كل المشاكل الاقتصادية يرجع إلى تدخل
الدولة في تحديد الأسعار و الأجور و الإنتاج ، فلا يزدهر الاقتصاد إلاّ إذا
تحرر من كل القيود و القوى التي تعيق تطوره وفي هذا يقول آدم سميث أحد
منظري الليبراليةدعه يعمل أتركه يمر)، و إذا كان تدخل الدولة يعمل على
تجميد وشل حركة الاقتصاد فإن التنافس الحر بين المنتجين يعتبر الوقود
المحرك للآلة الاقتصادية فالحرية الاقتصادية تفتح آفاقا واسعة للمبادرات
الفردية الخلاقة بحيث أن كل المتعاملين يبذلون قصارى جهدهم لإنتاج ما هو
أحسن وأفضل وبكمية أكبر و بتكلفة أقل ولا خوف في خضم هذا النشاط على حركة
الأجور و الأسعار لأن قانون العرض و الطلب يقوم بتنظيم هاتين الحركتين و في
هذا يرى آدم سميث أن سعر البضاعة يساوي ثمن التكلفة زائد ربح معقول ، لكن
إذا حدث بسبب ندرة بضاعة معينة أن ارتفع سعر بضاعة ما فوق سعرها الطبيعي
فإن هذه البضاعة تصبح مربحة في السوق الأمر الذي يؤدي بمنتجيها إلى المزيد
من إنتاجها فيرتفع العرض و هذا يؤدي بدوره إلى انخفاض ثمنها و إذا زاد
العرض عن الطلب بالنسبة لسلعة ما فإن منتجيها يتوقفون عن إنتاجها أو يقللون
منه لأنها غير مربحة و هذا يؤدي آليا إلى انخفاض العرض ومن ثمة ارتفاع
الأسعار من جديد يقول آدم سميث إن كل بضاعة معروضة في السوق تتناسب من
تلقاء نفسها بصفة طبيعية مع الطلب الفعلي ) ، وما يميز هذا النظام أنه لا
يتسامح مع الضعفاء و المتهاونين والمتكاسلين ، و الملكية الخاصة و حب الناس
للثروة هو الحافز الأول و الأساسي للإنتاج ، لذلك فإن أكثر الناس حرصا على
السير الحسن للعمل لأية وحدة إنتاجية هو مالكها ، بالإضافة إلى أن هذا
النظام يحقق نوعا من العدالة الاجتماعية على أساس أنه ليس من المعقول ومن
العدل أن يحرم الفرد حيازته على شيء شقا وتعب كثيراً من أجله ، فبأي حق نمنع
فردا من امتلاك ثمرة عمله وجهده ؟ .
أن قيمة النظام الرأسمالي إذا نظرنا إليها من زاوية النجاح الاقتصادي لا
يمكن أن توضع موضع الشك و التقدم الصناعي و التكنولوجي و العلمي الذي حققته
الدول الرأسمالية دليل على ذلك ، ولكن هذا الرأي لم يصمد للنقد وذلك من
خلال الانتقادات التي وجهها الاشتراكيون بقيادة كارل ماكس التي يمكن
تلخيصها فيما يلي : أولاها أن النظام الرأسمالي لا إنساني لأنه يعتبر
الإنسان مجرد سلعة كباقي السلع وثانيها أن النظام الرأسمالي يكثر من
التوترات والحروب من أجل بيع أسلحته التي تعتبر سلعة مربحة و الدليل على
هذا دول العالم الثالث وفي هذا يقول جوريسكا إن الرأسمالي تحمل الحروب كما
يحمل السحاب المطر) ، كذلك يقول تشومبيتر الرأسمالية مذهب وجد ليدمر) ،
وثالثها أن النظام الرأسمالي أدى إلى ظهور الطبقية ـ برجوازية وكادحة ـ كما
أه نظام لا يعرف فيه الإنسان الاستقرار النفسي بسبب طغيان الجانب المادي
على الجانب الروحي كما أن هذا النظام أدى إلى ظهور الإمبريالية العالمية
بالإضافة إلى أنه يوجد ظاهرة البطالة وكذا التمييز العنصري في شكل لا يعرف
حداً وهذا النظام بدوره يقضي على الرأسماليين الصغار ، وأخيرا فإنه لا يوجد
تناسب فيما يخص الأجور وساعات العمل يقول ماركس إن الرأسمالية تحمل في
طياتها بذور فنائها) .
وعلى عكس الرأي السابق نجد أنصار النظام الاشتراكي الذي ظهر على أنقاض
الرأسمالية وأهم رواده كارل ماكس وزميله انجلز في كتابه ـ رأس المال ـ ويرى
ماركس أن المادية الجدلية هي المحرك الأساسي للتاريخ فالنظام الاشتراكي
يسعى من خلال توطين الشروط المادية إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وحياة
اقتصادية مزدهرة وهذا من خلال مبادئ و أسس أهمها : الملكية الجماعية لوسائل
الإنتاج ـ الأرض لمن يزرعها والمصانع للعمال ـ وكذلك التخطيط المركزي
بالإضافة إلى اعتماد نظام التعاونيات في الإطار الفلاحي وفتح المجال أمام
النشاط النقابي لحماية حقوق العمال وحل مشكلة فائض الإنتاج والصراع الطبقي
وكذا اعتماد مبدأ تكافؤ الفرص ، فالنظام الاشتراكي يعتمد كلية على الملكية
الجماعية لوسائل الإنتاج وذلك للقضاء على الظلم و استغلال الإنسان لأخيه
الإنسان وبث الروح الجماعية والمسؤولية الجماعية في العمل وتعتبر الدولة هي
الرأس المدبر و المخطط الأول و الأخير وهذا للقضاء على التنافس الذي يؤدي
إلى الصراع وتحكم الفئة الثرية في المؤسسات الاقتصادية بحكم تعارض المصالح
كما فتحت الدولة المجال أمام نظام النقابات وذلك لحماية حقوق العمال
وللاشتراكية صور متعددة ما هو شبيه بالرأسمالية ومنها من يقترب من النظام
الشيوعي ومنها ما هو وسط بين الطرفين .
لاشك أن النظام الاشتراكي استفاد من بعض عيوب الرأسمالية لكنه لم يستفد من
نقاطه أو جوانبه الإيجابية بل رفضه جملة وتفصيلاً وهذا الخطأ الذي ارتكبه
المنظرون الاشتراكيون ضف إلى ذلك أنه بالرغم من الغايات الإنسانية التي
يسعى إليها النظام الاشتراكي فقد أوجد جملة من السلبيات أهمها أنه فشل في
إيجاد حلول لظاهرة التسيب و الإهمال و اللامبالاة وروح الاتكال كذلك أنه
أوجد نوعا من التسيير البيروقراطي الإداري بالإضافة إلى ظهور المحسوبية و
الرشوة وضعف الإنتاج في ظل غياب المنافسة وكثرة البطالة هذا بالإضافة إلى
الخيال النظري الشيوعي الذي أدى إلى سوء تقدير الواقع و النتائج الاقتصادية
، كما أن توجه الدول الاشتراكية في انتهاج سياسة اقتصاد السوق و الانفتاح
على العالم وهذا ما يؤكده الواقع المعاش ـ الجزائر ـ .
إن النظامين الاقتصاديين السابقين وإن اختلفا في المبادئ و الغايات
الاقتصادية إلاّ أنهما مع ذلك لهما أساس علمي واحد يجمع بينهما فكلاهما ينظر
للحياة الاقتصادية نظرة مادية ويقيمها على شروط موضوعية وهذا لا يعني أنهما
تجردا من القيم الإنسانية ، غير أن فلسفة الاقتصاد في الإسلام تنظر إلى
الحياة الاقتصادية نظرة أكثر شمولاً و تعتني بالنواحي الإنسانية عناية خاصة
فقد تضمنت فلسفة الاقتصاد في الإسلام مبادئ وقواعد عامة لتنظيم الحياة
الاقتصادية تنظيما أخلاقيا من أجل تحقيق حياة متوازنة بين الفرد و المجتمع
وعلى هذا الأساس منحت الإنسان الحرية من الملكية لقوله?من عمر أرضا ليست
لأحد فهو أحق بها )، وقوله أيضاً من أحي أرضا ميتة فهي له)، ولكن قيدها
بالمصلحة العامة حتى لا تكون أداة لاستغلال الإنسان لأخيه الإنسان وجعلها
ملكية نسبية(حيث كل شيء لله)، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن الإسلام حرم كل
أنواع الربا و الغش و الاحتكار وكل ضروب الاستغلال .
وفي الأخير وكحوصلة لما سبق فإن الاقتصاد الحر لا يحقق لا الحياة المزدهرة
ولا العدالة الاجتماعية لأنها منبع المصائب والأزمات أما الاشتراكية فإنها
رغم فضحها لعيوب الرأسمالية لم يتسن لها تحقيق روح العدل ومن هنا فالنظام
الذي يحقق الحياة المزدهرة إنما هو النظام الذي يجمع بين عنصري الاقتصاد و
الأخلاق في آن واحد ألا وهو النظام الاقتصادي الإسلامي الذي يجعل من المال
كوسيلة وليس كغاية يقول تعالى المال و البنون زينة الحياة الدنيا و
الباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا )
الطريقة: الجدلية الدرس : الشغل و التنظيم الاقتصادي
الإشكال: هل يعمل الإنسان لإشباع حاجاته البيولوجية فقط؟ يعد الشغل بالنسبة
للإنسان نشاط فعال يسمح له بتغيير الطبيعة وإعطائها صورة مرغوب فيها فهو
خاصية وامتداد للفكر وفاعلية إنسانية موجهة لإنتاج أثر نافع وباعتبار أن
الإنسان يشترك مع غيره من أنواع الحيوان في جوانب عديدة ولأن هذا الكائنات
نشأت كلها في الطبيعة ومن ثمَّ فهي ثمرة من ثمراتها وإذا كان هناك فرق بين
الإنسان والحيوان فهل يكون هذا الفرق في الدرجة أم في النوع؟وسواء أكان
الاختلاف في هذا أو ذاك فلماذا يكد الإنسان ويشقى ولا يعرف الراحة والسكون
؟ هل لحاجة بيولوجية أم هناك مبررات أخرى لذلك؟ .
يرى أصحاب الاتجاه الطبيعي أن جذور الإنسان متأصلة في الطبيعة وأن ظروف
الحياة هي التي ألجأت الإنسان إلى الكد والعمل لسد الحاجات الحيوية من أكل
وشرب وملبس ومسكن فالإنسان في نظرهم كالحيوان يخضع لمنطق الحياة العضوية
،وضرورات الغرائز الحيوانية فهو لا يخرج عن كونه >مخلوقا طبيعيا< أو موجودا
بيولوجيا صرفا يعمل على تسخير الطبيعة والسيطرة عليها وكل هذا من أجل تحقيق
الوجود والعمل من أجل الاستمرار على وجه هذه المعمورة وهم يدعمون رأيهم
بأدلة فهم يرون بأنه لو كانت المنتجات الطبيعية كافية لما اشتغل كما هو
الحال بالنسبة للإنسان الأول وتاريخ الحضارات القديمة يثبت أن الشغل في بعض
المجتمعات كانت تنهض به فئة أخرى فالعمل الجسمي بصفة عامة في الفلسفة
اليونانية يحط من قيمة الفرد وقد جاءت العقيدة المسيحية تؤكد على هذه
النظرة إلى حد ما على أساس أن العمل نوع من العقاب الذي يعانيه المذنب.
إن هذا الموقف ينطوي على مغالاة فلو كان صحيحا لأقتصر الشغل على تلبية
الحاجات البيولوجية وما تجاوز العمل الإنسان إلى المستوى الحضاري
والاجتماعي هذا من جهة ومن جهة أخرى لو كان ذلك صحيحا لسمينا نشاط الحيوان
شغلا رغم أنه لا ينطوي على عقل .
وعلى عكس الرأي الأول السابق يرى الاجتماعيون أن الشغل ضرورة اجتماعية ونجد
أول من نظر في العمل نظرة فلسفية هيغل في أوائل القرن التاسع عشر 19م
بإقامته جدليته الشهيرة بين السيد والعبد وهو يرى أن العمل منبثق للحرية
أما عند برغسون فهو منبثق للعقل لأن الإنسان الحكيم هو قبل كل شيء إنسان
صانع إذ ليس العقل-كما يرى برغسون- إلا (القدرة على صنع أشياء صناعية
ولاسيما الأدوات التي تستخدم في صنع أدوات وفي تنويع الصنع تنويعا غير
محدود) كذلك نجد ماركس يرى أن العامل عندما يؤثر في الطبيعة الخارجية
ويغيرها فإنه يغير بذلك أيضا طبيعته هو نفسه وينمي ملكاته الذهنية الكامنة
فيه بالإضافة إلى كل هذا فقد حاول بعض المفكرين أن يعطوا لعمل معنى
ميتافيزيقيا وبالتالي معنى أخلاقيا إذ العمل في نظرهم هو تجسيم للقيم في
الواقع وقد قال ماركس (بالعمل يحقق الإنسان إنسانيته) كذلك أن العمل ينتزع
من نفسه ويحرره من الدائرة الذاتية التي كثيرا ما تأخذ شكل الاجترار الذاتي
وقد دلت التجارب على أن كثيرا من المصابين بالأمراض العقلية تخف اضطراباتهم
عندما يكلفون ببعض الأعمال الخفيفة مما يثبت أن العمل يعد إحدى دعائم الصحة
العقلية فالذي لا يعمل لا يعرف للوجود نظاما ولا للوقت انتظاما واتصالا ولا
للحياة اتزانا هذا من الناحية السيكولوجية أما من الناحية الاجتماعية فإن
الكسل والبطالة غالبا ما تكونان مطيتين للانحراف والإجرام وقد حثت الديانات
السماوية على العمل ومن بينها الإسلام وقد جاء في الأثر (ما أكل أحد طعام
قط خيرا من أن يأكل من عمل يده ) وقوله تعالى (فإذا قضيتم الصلاة فانتشروا
في الأرض واذكروا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون)
على الرغم من كل هذه الحجج إلا أن هذا الرأي لم يصمد للنقد ذلك أن من الناس
ممن يزالون يعملون لسد حاجاتهم الضرورية فقط كالأكل والمسكن والملبس كذلك
أن البعد الاجتماعي للشغل غير كاف لأنه لم يكن دائما ضرورة اجتماعية وواجبا
على جميع الأفراد بل اقتصر في حقبة من التاريخ على العبيد.
إن الشغل بالنسبة للإنسان كالقلب للجسم أو بمثابة الجسد للروح فلا يمكن أن
يستغني عنه فمن الناحية البيولوجية فهو يسد حاجياته الحيوية ومن الناحية
الاجتماعية فالإنسان كائن اجتماعي حضاري يعمل ليحقق وجوده في وسط المجتمع
بكل قيمته وكرامته .
وأخيرا وكحوصلة فأن الشغل وسيلة لا غنى عنها لسد ضرورات العيش لكن الإنسان
ليس كائنا بيولوجيا فقط بل له أيضا كرامة وقيمة وروح التسامي تقتضي منه أن
يشتغـــل .
الدين...اتراه مثبت او مخبر للقيمة الخلقية؟
تعتبر الديانات السماوية عموما أهم منابع القيم الأخلاقية ومن بينها
الإسلام الذي تنص تعاليمه على ضرورة الالتزام بالقيم الأخلاقية مستمدين ذلك
من القرآن الكريم و السنة النبوية الشريفة، ولذلك فإن لكل فريضة غاية
أخلاقية فالدين معاملة ، ومن ثم وجب علينا أن نبحث عن أسس مفارقة تتجاوز
المنفعة والعقل والمجتمع، وقد كان لعلماء الكلام دورا هاما في هذا المجال
وخاصة المعتزلة والأشاعرة، و التساؤل المطروح ما هو الاتجاه الأصح ؟ .
يرى الأشاعرة أن الأعمال الأخلاقية مصدرها الشرع فهم يرون أنه لا شيء حسن
ذاته أو قبيح ذاته وإنما الحسن ما حسّنه الشرع و القبيح ما قبّحه الشرع ولذلك
فالعقل عندهم لا يملك القدرة على التمييز بين الخير والشر، فالخير والشر
مصدرهما الدين عن طريق ما أمر به الله أو نهى عنه ، ولهذا يرى الأشعري أن
الواجبات كلها مسموعة ويستدلون بآيات من القرآن الكريم في قوله تعالىافعل
ما تؤمر) ، ومما استدل به الأشاعرة أيضاً لو كان الحسن والقبيح ذاتيين لكانا
دائمين في الأشياء والأفعال دون أي شرط في حين أننا نرى الشيء الواحد قد
يكون حسنا في موضع ويكون قبيحا في مواضع أخرى فالقتل يكون حسنا إذا كان
قصاصاً ويكون قبيحا إذا كان ظلما والشيء قد يكون حسنا في زمن ولا يكون كذلك
في زمن آخر ، كما قد تأتي شريعة بتحسين شيء ثم تأتي شريعة أخرى فتجعل الشيء
نفسه قبيحا) ، فالنسخ دليل على تعبئة الحسن القبح لأمر الشرع ونهيه .
لا يمكن إنكار ما ذهبوا إليه إذ بينوا أن حدود العقل لا يمكن تجاوزها ولكن
رأيهم لم يصمد للنقد ذلك أنهم أهملوا دور العقل في معرفة الفعل الأخلاقي عن
الفعل اللأخلاقي ويتضح هذا في اتجاهات العلماء في تمييز الفضائل عن الرذائل
والعكس تبعا للمستجدات التي تطرأ في الحياة .
وعلى عكس رأي الأشاعرة نجد المعتزلة الذين ينادون بالعقل فهم يرون أن جميع
الأعمال التي نعدها حسنة كالعدل والصدق والإحسان ذلك أننا نحكم عليها
بالحسن بالاعتماد على إدراكنا لها وإذا حكمنا كذلك على بعض الصفات من ظلم
وكذب وبخل فلأننا اعتمدنا على إدراكنا لها ، ومعنى هذا أن العقل قادر بذاته
على اكتشاف ما في الأشياء و الأفعال من حسن أو قبح ومن فساد أو صلاح ، وأمر
الشرع بأشياء كالأمانة والعدل ونهيه عن أشياء كالسرقة والقتل تابع لما فيها
من حسن وقبح وهو بهذا يخبر عن القيمة ولا يثبتها و العقل يدركها ولا ينشئها
، وللمعتزلة حجج شتى على هذا الموقف فمن الثابت تاريخيا أن الناس قبل وجود
الشرائع كانوا يحتكمون للعقل فيما ينشأ بينهم من خلاف وسند العقل في ذلك ما
يراه بذاته في الأفعال من حسن وقبيح ذاتيين دون استناد إلى الشرع إذ لم
توجد بعد أي شريعة وكان العقلاء آنذاك يستحسنون مثلاً الحفاظ على الأنفس
ويستقبحون العدوان، ومن الحجج المنطقية قولهم لو لم تجب المعرفة إلاّ بالشرع
للزم إفحام الرسل ولم تكن لبعثتهم فائدة ووجه اللزوم إلى الرسول ? إذ قال
لأحد: أنظر في نبوتي ومعجزتي كي يظهر صدقي لديك ، فله أن يقول : لا يجب علي
النظر في نبوتك ومعجزتك إلاّ بالشرع ولا يثبت الشرع ما دمت لم أنظر أن ثبوت
الشرع نظري لا ضروري وبهذا يفحم الرسول وتبطل دعوته وهذا غير صحيح ، ويثبت
بهذا أن القبح والحسن ذاتيان في الأشياء يدركهما العقل قبل ورود الشرائع
بالإضافة إلى هذا يوردون هاته الحجة التي مفادها أنه لو كان الحسن والقبح
مكتسبين من الشرع لما أمكن استعمال العقل في المسائل التي لم يرد فيها نص
شرعي ولأمتنع التعليل لأن التعليل قائم على ما في الأشياء و الأفعال من
صفات قائمة فيها وفي امتناع التعليل سد لباب القياس وتعطيل للأحكام على
الوقائع المستحدثة .
إن العقل قادر على التمييز بين الخير و الشر والإرادة تختار الفعل الممكن
لكن قد يخطأ أي شخص مثلاً فلا يدفع تذكرة سفر إلاّ إذا أدرك أن هذا الفعل
سرقة والسرقة حرام إذاً هذا ما يقوله المعتزلة ، إذاً هل يمكن أن تحل عاطفة
الخوف من الله محل عاطفة الاحترام وهل يخاف الله جميع الناس ؟ .
أن الخلاف القائم بين هاتين الفرقتين لا يقتصر فقط على الجانب الأخلاقي بل
يعتبر خلافا مذهبيا عاما يتعلق أساسا بمسألة الترجيح بين العقل والنقل
ولتفادي الوقوع في هذا الخلاف نعتبر أن الأخلاق الإسلامية تجمع بين
الجانبين بحيث يجب الالتزام بالنصوص من القرآن و السنة مع إمكانية عرضها
على العقل لنعرف ما وراء المحرم من مضار وما وراء الحلال من منافع ويتم ذلك
بإدراك المعاني و المقاصد .
وإذا أردنا الخروج بحوصلة لما سبق فإن الإسلام راع في مسألة الأخلاق ثنائية
الإنسان (العقل والطبيعة البشرية) بحيث نجد الإسلام يرفع بالأخلاق ولم
يعتمد في بنائها على مبدأ واحد كاللذة أو العقل أو المجتمع واتخاذها كقاعدة
عامة توجه أفعالنا فالإسلام يدعونا إلى طاعة أوامر الله واجتناب نواهيه وفي
نفس الوقت التوفيق بين متطلبات الواقع والجانب الخلفي للإنسان فالإنسان ليس
ملكا كما أنه ليس بشيطان .
الإشكال:إذا كانت اللغة تشكل عائقا للفكر فهل يجب رفضها ؟
يتبادل الناس الأفكار كما يتبادلون الأشياء ،ووسيلة هذا التبادل وطريقة هذا التواصل هي
اللغة التي يعرفها الجرجاني (هي كل ما يعبر به قوم عن أغراضهم)فلا ينحصر
الفكر في الكلام فقط.والفكر في جوهره نشاط عقلي يعتمد في أداء وظيفته على
استخدام المعاني وما يقابلها في اللغة من رموز والتفكير كما يقول كوندايك
(يرتد إلى فن إتقان الكلام) وهذا يعني أن اللغة والفكر مرتبطان أشد
الارتباط غير أن بعض المفكرين والفلاسفة يشكون من تقصير اللغة وعجزها عن
التعبير عن كامل أفكارنا وبعبارة أصح :هل نستطيع أن نفكر فيما نعجز عن قوله؟
يرى أصحاب الاتجاه الثنائي أن اللغة باعتبارها أداة عامة للتواصل بين
الأفكار لا تخرج عن كونها ألفاظا عادية ساكنة تقف في وجه الفكر وتقيم له
عقبة فاللغة كما يلاحظ جيسبيرسن(بمفرداتها وصيغتها الثابتة قد أجبرت الفكر
على أن يسلك سبلا مطروقة حتى أنهم اضطروا إلى اقتفاء أثر الأولين وآل بهم
الأمر إلى أن يكون تفكيرهم أشبه بتفكير من سبقهم)،وقد ذهب على شاكلة هذا
الطرح برغسون ،حيث يرى بأن الفكر مستقل عن اللغة وأن اللغة تقيد الفكر
وتستعبده ،كما يرى أيضا أنه لا يوجد تناسب بين ما نملكه من أفكار وما نملكه
من ألفاظ ،فالألفاظ محدودة ،والأفكار غير محدودة فكيف يمكن للمحدود أن
يستوعب اللامحدود يقول برغسون(إن كلماتي من جليد فكيف تحمل بداخلها النيران
وإن المعاني تموت عند سجنها في القوالب اللغوية)؛وفي هذا يقول ( الألفاظ
قبور المعاني)،ويرجع أصحاب هذا الموقف عدم التناسب إلى كون اللغة واحدة منذ
القدم لم تتطور بينما الأفكار تتطور كل يوم ،بالإضافة إلى كل هذا فإن الفكر
تتجاوز دلالة الألفاظ ؛ حيث أن اللفظ لا يعبر إلا عما اصطلح وتعارف عليه
المجتمع كذلك أننا في حياتنا اليومية يستعصي علينا التعبير عن بعض المعاني
(كما كان يحدث مع الصوفية الذين يرون صعوبة التعبير عن تجاربهم النفسية >من
ذاق عرف<يطلبون منا أن نعاني تجربتهم لنذوق ما ذاقوا) وكذلك أن الفكر متصل
والألفاظ منفصلة حيث تتدفق المعاني ككل متصل يجعل الألفاظ عاجزة على أن
تسعه وقد جاء هذا في القرآن الكريم في بعض الآيات في قوله تعالى (ولو أن ما
في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله
) ،وقوله أيضا (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد
كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا) بالإضافة إلى كل هذا يمكن التعبير عن
الألفاظ والمعاني دون استخدام اللغة مثل الرسم والموسيقى و إشارات الصم
والبكم .
إن هذا القول بهذا الرأي لم يصمد للنقد ذلك أننا لا نستطيع أن نجزم
باستغلال الفكر عن اللغة إذ كيف يمكن أن نتمثل في الذهن تصورات لا اسم لها
، ومهما ألح برغسون على عجز اللغة ومخاطرها فهو يطالب بإخضاع اللغة هذه إلى
تعديلات عميقة وشاملة حتى تؤدي دورها يقول(إن اللغة يجب أن تكون على درجة
من السيولة والمرونة مما يجعلها قادرة على متابعة الفكر الحي في سيولته
وتدفقه المستمر) وكيف تتمايز الأفكار فيما بينها لولا اندراجها في قوالب
لغوية .
إن هذا الموقف السلبي يوحي بأمرين :1-إن الفكر قد يوجد في صورة عالية عن
الألفاظ .2-أن اللغة يجب ألا تستعبد الفكر الحر .
وعلى عكس الرأي الأول نجد من يقول بالتلاحم بين الفكر واللغة وبين المعاني
والألفاظ فمعظم الفلاسفة اللغويين يؤكدون وجود وحدة بين اللغة والفكر وشبه
هاملتون اللغة بورقة وجهها الفكر وظهرها الصوت ويشبه ماكس موليير ذلك
التداخل بين اللغة والفكر بقطعة نقد الفكر وجهها واللغة ظهرها يقول (ليس ما
ندعوه فكرا إلا وجها من وجهي قطعة النقد والوجه الآخر هو الصوت المسموع
والقطعة شيء واحد غير قابل التجزئة فليس ثمة فكر ولا صوت ولكن كلمات). وقد
شبهت اللغة بالقلم والفكر بالمداد أو الجسد والروح ،فالفكر واللغة شيء واحد
ذلك أننا نفكر باللغة ونتكلم بالفكر وأن الكلام غير المنظم فكريا ليس لغة
بل ثرثرة لا طائل منها ونجد دو لاكروا يقول (إن الفكر يصنع اللغة وهي
تصنعه) ،ويقال أن ما ندركه جيدا نعبر عنه بوضوح كذلك يقول واطسن ( التفكير
ضرب من الكلام الصامت ) ويؤكد ذلك كوندياك حيث يرى أن فن التفكير يرتد إلى
فن إتقان الكلام ،إذا فلا تمييز بين الفكر واللغة ويقول هيغل (إن الرغبة في
التفكير بدون كلمات محاولة عديمة الجدوى لأن الكلمة تعطي للفكر وجوده
الأسمى ) ويقول ستالين (مهما كانت الأفكار التي تجئ إلى فكر الإنسان فإنها
لا تستطيع أن تنشأ وتوجد إلا على أساس مادة اللغة) ،ويقول هاملتون (إن
المعاني شبيهة بشرارة النار ما إن تومض فإنها سرعان ما تنطفئ ولا يمكن
إظهارها وتثبيتها إلا بالألفاظ)؛إن هذا الرأي يقوم على أنه لا وجود لمعنى
إلا إذا تمايز عن غيره من المعاني بإشارة تسمح للغير بإدراكها ،فعلم النفس
المعاصر كشف على أن تكوين المعاني لدى الأطفال يتقدم مع تقدم اكتسابهم للغة
وزيادة رصيدهم اللغوي وأن الطفل بتعلمه اللغة يتعلم التفكير ويسير في
ارتقائه اللغوي وفقا لارتقاء فهمه وقد لوحظ أن فقدان اللغة يلازمه اختلال
في المقومات الذهنية ،كذلك أن افتراض معان عصية عن الألفاظ وافتراض خيالي
إذ لا يكون لهذه المعاني وجود واقعي ما لم تحددها الألفاظ كما أن الأفكار
التي لا تضبط بكلمات سرعان ما تزول وتندحر وفي هذا يقول هاملتون (الألفاظ
حصون المعانــــــي) .
هذا الرأي هو الآخر لم يصمد للنقد حيث أنه مهما وافقنا على وجود تطابق بين
الأفكار والألفاظ فإنه يجب أن نعترف بوجود تفاوت بينهما إذ نجد في أنفسنا
عدم التناسب بين قدرتنا على الفهم وقدرتنا على الأداء وهذا يعني أن الإنسان
يفهم معاني اللغة أكثر مما يحسن ألفاظها >نفهم اللغة الأجنبية أكثر مما
نتقن التكلم بها، ومع كل هذا فإننا نعترف بأنه كلما كانت لغتنا سليمة كنا
أقدر للتعبير عن أفكارنا وفي هذا يقول كوندياك (نحن لا نفكر بصورة حسنة أو
سيئة إلا لأن لغتنا مصنوعة صناعة حسنة أو سيئة) ،فبقدر ما تكون اللغة في
أمة من الأمم متطورة بقدر ما تتاح الفرصة لهم لتملك زمام الحضارة الإنسانية
والمعرفة العلميـــــــــة .
إن العيب الذي تؤاخذ عليه النظريتان هو أنهما جزأتا اللغة عن الفكر والفكر
عن اللغة إلا أن هذين الأخيرين بمثابة الجسد للروح لا يمكن لأحدهما أن
ينفصل عن الآخر ولا يمكن له أن يستمر في الوجود دون وجود الثاني كذلك أنه
توجد علاقة بين الفكر واللغة على مستوى التأثير المتبادل ويمكن الاستدلال
على ذلك حيث أن علم النفس الفيزيولوجي أثبت أن للدماغ البشري مراكز خاصة
باللغة (مراكز :الكلام ، الرؤية ،السمع …) ؛وهناك مراكز خاصة بالعمليات
العقلية كالتفكير والذاكرة والذكاء ,وإذا ما تعرض مركز من هذه المراكز لخلل
بسبب صدمة مثل حالة معطوبي الحرب يكون له انعكاس على التفكــــــير .
وإذا أردنا الخروج بحوصلة فإن اللغة حقا لا تعبر إلا عن قليل من مضمون
الفكر ،ولكن لا ينبغي رفضها لأن الفكر بأوسع معانيه بحاجة إليها فهي
بالنسبة له أداة تنظيم وتوضيح ونمو والعجز الذي يصيب اللغة لا يجب أن يوحي
برفضها كوسيلة للتواصل ،وإن التخلي عنها يعني إنكار الفكر وهذا ضرب من
الحلم الكاذب .
الإشكال:هل ترى أن المفاهيم الرياضية في تطورها نابعة من التجربة أم من العقل ؟
لقد انقسم المفكرون في تفسير نشأة المفاهيم الرياضية إلى نزعتين ،نزعة
عقلية أو مثالية يرى أصحابها أن المفاهيم الرياضية من ابتكار العقل دون
التجربة ،ونزعة تجريبية أو حسية يذهب أنصارها إلى أن المفاهيم الرياضية
مهما بلغت من التجريد العقلي فإنها ليست من العقل في شي وليست فطرية ؛بل
يكتسبها الإنسان عن طريق تجاربه الحسية فما حقيقة الأمر ؟فهل المفاهيم
الرياضية في نموها انبثقت من التجربة أم من العقل ؟
يرى أصحاب الاتجاه المثالي أو العقلي أن المفاهيم الرياضية نابعة من العقل
وموجودة فيه قبليا فهي توجد في العقل قبل الحس أي أن العقل لم يفتقر في
البداية إلى مشاهدة العالم الخارجي حتى يتمكن من تصور مفاهيمه وإبداعها وقد
كان على رأس هذه النزعة أفلاطون الذي يرى أن المعطيات الأولية الرياضية
توجد في عالم المثل فالخطوط والأشكال والأعداد توجد في العقل وتكون واحدة
بالذات ثابتة وأزلية يقول أفلاطون(إن العلم قائم في النفس بالفطرة والتعلم
مجرد تذكر له ولا يمكن القول أنه اكتساب من الواقع المحسوس)؛فهو يرى أن
المفاهيم الرياضية لا ندركها إلا بالذهن وحده ،فالتعريفات الرياضية مجالها
ذهني ولا تتحقق إلا بواسطة العقل دون حاجة إلى المحسوسات فالتعريفات
للحقائق الرياضية واحد لا يتغير واضح متميز وعلى شاكلة هذا الطرح ذهب
ديكارت إلى أن الأعداد والأشكال الرياضية أفكار لا يجوز فيها الخطأ وفي هذا
يقول (إنها ما ألقاه الله في الإنسان من مفاهيم)أي بمعنى المفاهيم الرياضية
ويؤكد مالبرانش من جهته ذلك حيث يقول(إن العقل لا يفهم شيئا ما إلا برؤيته
في فكره اللانهائي التي لديه وأنه لخطأ خالص أن تظن ما ذهب إليه فلاسفة
كثيرون من أن فكره اللانهائي قد تكونت من مجموعة الأفكار التي تكونها عن
الأشياء الجزئية بل العكس هو الصحيح ،فالأفكار الجزئية تكتشف وجودها من
فكره اللانهائي كما أن المخلوقات كلها تكتسب وجودها من الكائن الإلهي الذي
لا يمكن أن يتفرع وجوده عن وجودها )إننا فيم يقول لم نخلق فكرة الله ولا
فكرة الامتداد بكل ما يتفرع عنها من حقائق رياضية وفيزيائية فقد جاءت إلى
عقولنا من الله و يمكن أن نضم كانط إلى هذه النزعة رغم أنه كان يقصد
التركيب بين التفكير العقلي والتفكير الحسي فهو يرى أن الزمان والمكان
مفهومان عقليان قبليان سابقان لكل معرفة تجريبية ويؤطرانها وهم يرون أن هذه
الحقائق تدعم نظرتهم وهي كالتالي :إن الملاحظة لا تكشف لنا على الأعداد بل
على المعدودات كذلك أن المكان الهندسي الذي نتصوره على شكل معين يشبه
المكان الحسي الذي نلاحظ بالإضافة إلى أن الخط المستقيم التام الاستقامة لا
وجود له كذلك بعض القوانين كالعلاقات بين الأشكال كما أن الكثير من المعاني
الرياضية مثل 0.7 لا ترجع إلى الواقع المحسوس .
إن القول بهذا الرأي لم يصمد للنقد ذلك أنه مهما تبدو المعاني الرياضية
مجردة فإنه لا يمكن القول بأنها مستقلة عن الواقع الحسي و إلا فكيف نفسر
الاتجاه التطبيقي للهندسة لدى الشعوب القديمة خاصة عند الحضارات الشرقية في
استخدامها الطرق الرياضية في الزراعة والحساب وهذا ما يدل على ارتباط
الرياضيات أو التفكير الرياضي بالواقع .
وعلى عكس الرأي السابق نجد أصحاب المذهب الحسي أو التجريبي مثال جون لوك
*دافيد هيوم* جون ستورات مل يرون أن المفاهيم الرياضية في رأيهم مأخوذة-مثل
جميع معارفنا- من صميم التجربة الحسية ومن الملاحظة العينية ،فمن يولد
فاقدا لحاسة فيما يقول هيوم لا يمكن بالتالي أن يعرف ما كان يترتب على
انطباعات تلك الحاسة المفقودة من أفكار فالمكفوف لا يعرف ما اللون والأصم
لا يعرف ما الصوت ،إن الانطباعات المباشرة التي تأتينا من العالم الخارجي
هي بمثابة توافد للأفكار ومعطيات للعقل ،ونجد جون ستوارت ميل يرى (أن
المعاني الرياضية فيما يقول والخطوط والدوائر التي يحملها كل واحد في ذهنه
هي مجرد نسخ من النقط والخطوط والدوائر التي عرفها في التجربة ) ،وهناك من
الأدلة والشواهد من الواقع النفسي ومن التاريخ ما يؤيد هذا الموقف ،فعلم
النفس يبين لنا أن الأعداد التي يدركها الطفل في بادئ الأمر كصفة للأشياء
ولكنه لا يقوى في سنواته الأولى على تجريدها من معدوداتها ثم أنه لا يتصور
إلا بعض الأعداد البسيطة فإذا ما زاد على ذلك قال عنه (كثير ) فمثلا لو
أعطينا طفل ثلاث حبات زيتون وأعطينا بالمقابل أخاه الأكبر خمس حبات فنلاحظ
أن الطفل الصغير يشعر بضيق كبير لأنه يرى أن حصته أقل من حصة أخيه لكن حكمه
لا يستند إلى أن حصة أخيه الأكبر تفوقه بـ (2) لأن هذه العملية تتطلب منه
النظر إلى كمية الزيتون باعتبارها وحدات مجردة من منافعها ثم طرح مجموع
الوحدات التي لديه من مجموع الوحدات التي كانت من نصيب أخيه وهذه العملية
ليس بوسع الطفل القيام بها في مرحلته الأولى ،كذلك أن الرجل البدائي لا
يفصل هو الآخر العدد عن المعدود فقد كان يستخدم لكل شيء كلمة خاصة به فمثلا
العدد(2) يعبر عن جناحي الطير والعدد (4) يعبر عن قدمي الطير وقد كان لليد
تأثير كبير في الحساب حتى قال أسبيناس أنها أداة الحساب ،إذن فالمفاهيم
الرياضية بالنسبة لعقلية البدائي والطفل لا تفارق مجال الإدراك الحسي
وكأنها صفة ملامسة للشيء المدرك كالطول والصلابة .أما من التاريخ فتاريخ
العلوم يدلنا على أن الرياضيات قبل أن تصبح علما عقليا قطعت مرحلة كلها
تجريبية ودليل ذلك أن العلوم الرياضية المادية هي التي تطورت قبل غيرها
فالهندسة كفن قائم بذاته سبقت الحساب والجبر لأنها أقرب للتجربة ويظهر أيضا
أن المفاهيم الرياضية الأكثر تجريدا أخذت نشأتها بمناسبة مشاكل محسوسة مثل
تكعيب البراميل وألعاب الصدفة التي عملت على ظهور حساب الاحتمالات .
إنه لمن الواضح أن العلم لا يجد أية صعوبة في تطبيق هذه المعاني ولكن هذا
لا يعني أن ننكر دور العقل في تحصيل هذه المعاني ولهذا ظهر الاتجاه
التوفيقي بين الطرفين .
إن الخطأ الذي وقع فيه المثاليون والتجريبيون هو أنهم فصلوا العقل عن
التجربة والحق أنه لا وجود لعالم مثالي أو عقلي ولأعداد وأشكال هندسية
تتمتع بوجود لذاتها مثل الأفكار الأفلاطونية والقوالب الكانطية القبلية
ونجد جون بياجي الذي يرى أن للعقل دورا إيجابيا ذلك أن عملية التجريد
واكتساب المعاني عمل عقلي ويرى في المقابل أن العقل لا يحمل أي معاني فطرية
قبلية بل كل ما فيه قدرة على معرفة الأشياء وتنظيمها ويرى كذلك جون سارتون
أن العقل لم يدرك المفاهيم الرياضية إلا من جهة ارتباطها بلواحقها المادية
ولكنه انتزعها بالتجربة من لواحقها حتى أصبحت مفاهيم عقلية بحتة ،وأيضا نجد
بوانكاري يقول (لو لم يكن في الطبيعة أجسام صلبة لما وجد علم الهندسة
فالطبيعة في نظره بدون عقل مسلط عليها لا معنى لها يقول أحد العلماء
الرياضيين (إن دراسة معمقة للطبيعة تعد أكثر المنابع إثمارا للاكتشافات
الرياضية)
لا شك
المسيلي- عدد الرسائل : 78
تاريخ التسجيل : 31/01/2010
نقاط : 5321
سؤال؟
ممكن مقالات تشمل دروس الحقوق والواجبات والعدل
خير الدين- عدد الرسائل : 1
تاريخ التسجيل : 02/01/2011
نقاط : 4870
مواضيع مماثلة
» مقالات الفلسفة
» صور انمي رائعة
» صور رائعة اتمنى أن تعجبكم
» صور رائعة لمدينة بسكرة
» مواضيع رائعة للدكتور ابراهيم الفقي
» صور انمي رائعة
» صور رائعة اتمنى أن تعجبكم
» صور رائعة لمدينة بسكرة
» مواضيع رائعة للدكتور ابراهيم الفقي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى