القصة الكاملة لثورة الشيخ بوعمامة ولد البيض
صفحة 1 من اصل 1
القصة الكاملة لثورة الشيخ بوعمامة ولد البيض
لقد ظهر سيدي بوعمامة منذ سنة 1888م في منطقة جنوب الصحراء رجلا صالحا، مستقطبا ولاء أغلب القبائل الصحراوية بلا منازع، فضلا عن تقدير أشراف تافيلالت له بجنوب المغرب الأقصى، ولم يستطع أحد أن ينازعه هذا النفوذ، بل امتد نفوذه إلى قبائل الطوارق الذين عبَّروا له عن استعدادهم للالتحاق به في الوقت المناسب، وذلك من خلال مراسلتهم له أواخر سنة 1888م.
وهكذا ما إن حلت سنة 1892م حتى أدركه كل من القصر العلوي بالمغرب والمفوضية الفرنسية بطانجة، ما أصبح عليه سيدي بوعمامة من نفوذ روحي، وتأييد قبلي، وقوة حربية بالمناطق الصحراوية ومحيطها، وبذلك سعى الطرفان إلى اكتسابه، في حين تبدو رغبة الشيخ بوعمامة في الحفاظ على حريته واستقلاله واضحة من خلال معاملاته ومراسلاته السياسية مع الحكام العسكريين المباشرين، ولا شك أن له يداً في الوقائع التي دارت بين الفرنسيين والبرابر في نخيلة في 05 جويلية 1903م، وفي الهجوم الواسع على مركز تاغيت بجبل بشار، وتنظيم حملات الساهلة والمطارفة، وأوجروت وشروين وتيميمون إلى آخر المعارك التي خاضها وحرض عليها.
وقد امتد الشيخ بوعمامة في ثورته من الواحات الجنوبية عبر وادي الزوزفانة ووادي الناموس، وعندما وصل إلى الناحية الشمالية فيغيغ أسس زاوية بواحة المغرار التحتاني، كما حاول إقامة حلف من قبائل لعمور وبني كيل وغيرهما من قبائل الحدود إلى ناحية تلمسان نفسها: والهجوم على الفرنسيين الذين أرغموا على استرجاع عدد من فيالق جيوشهم؛ حيث استعدوا من جديد بعدما تكبدوا خسائر فادحة للهجوم بأسلحتهم المتفوقة والضغط على الشيخ بوعمامة نحو الجنوب، حيث رجع سنة 1882 إلى دلدول وهي واحة في جورارة وسط توات، حيث أسس زاوية هناك يدرس فيها القرآن الكريم والعلوم الشرعية، فاكتسب بها مزيدا من الأنصار والأتباع.
وظل الشيخ بوعمامة ثائرا إلى سنة 1908م حيث استقر بأنكاد أماسي حمزة وسي قدور بن حمزة وغيرهما من زعماء أولاد سيدي الشيخ الشرقية.ولقد أخذت وضعية توات تنقلب، فقد بدأت فرنسا تؤسس لنفسها نفوذا سياسيا بين بعض القبائل التي أصابها الخوف نتيجة تزايد الضغط العسكري الفرنسي ضد واحات توات.
وهكذا استطاع الفرنسيون أن يعقدوا اتفاقيات مع عدد من الفصائل التي تسكن بواحة جورارة، وكذلك مع بعض فصائل ذوي منيع، وبعض الطوائف من سكان عين صالح.
وفي الوقت الذي أعطى فيه مؤتمر برلين 1885م حرية التوسع الأمبريالي في أفريقيا بالنسبة للدول الأوروبية التي حضرت هذا المؤتمر، بادرت فرنسا إلى تهيئة الشروط الضرورية لاكتساح توات، وفعلا شيدت في السنة التالية للمؤتمر 1886م حصنا في المنيعة، ووضعت فيه حامية عسكرية تتركب من 156 جنديا بصفة دائمة، وهي الحامية التي سيقرر البرلمان الفرنسي في بداية العقد الأخير من القرن 19م رفع عددها إلى 600 جندي، وقد كائن حامية فرنسا قد حاولت الاستقرار بها منذ 1873م، ولكنها انسحبت منا لأسباب أمنية.
وفي التاريخ نفسه 1886م قامت بعثة دراسية فرنسية تحت إشراف الضابط (بالا) الذي تجول عبر توات كلها بمساعدة شخصين مسلمين من كبار قصور حاسي الشيخ بالحدود الوسطى، وقد خرج (بالا) من قصور الأبيض سيدي الشيخ، ونزل عبر حوض وادي كير، ثم وصل إلى واحات الخنافسة، ثم تجول في قصور جورارة، وزار مؤسسة الشيخ بوعمامة في دلدول، ومكث هناك في ضيافة بعض الأهالي مدة ثمانية أيام، ثم توجه إلى عين صالح مروراً بتادمايت؛ حيث اغتيل هناك في شهر فبراير 1886م هو ومرافقاه الجزائريان، وقد كان اغتياله على يد أصحاب الشيخ عبد القادر بن باجودة الذي كان من أكبر زعماء عين صالح، الذي سبق له أن نصب كمينا للبعثة العسكرية الفرنسية سنة 1881م.
الشيخ بوعمامة
الشيخ بوعمامة –رحمة الله عليه- هو أحد أحفاد الولي الصالح السيخ عبد القادر بن محمد المعروف بسيدي الشيخ.
وهو من بني عمومة سي سليمان بن حمزة زعيم الانتفاضة المسماة في التاريخ ثورة أولاد سدي الشيخ.
لشيخ بوعمامة هو محمد بن العربي بن الحرمة بن إبراهيم بن التاج بن عبد القادر بن محمد سيد الشيخ بن سليمان بن سعيد بن أبي ليلة بن عيسى بن أبي يحي بن معمر الملقب أبو العالية بن سليمان بن سعيد بن عقيل بن حفص الملقب حرمة الله بن عساكر بن زيد بن حميد بن عيسى بن التادلي بن محمد الملقب السلي بن عيسى بن زيد بن الطفيل المدعو الزغاوي بن صفوان بن محمد بن عبد الرحمان بن سيدنا أبي بكر الصديق - رضي الله عنه-.
فهو من مواليد امغرار سنة 1845م، حيث نشأ وترعرع في هذه المنطقة التي عرفت بالتوتر والغليان في النصف الأخير من القرن التاسع عشر، وانعدام مايسمى بالدولة إضافة إلى طغيان قطاع الطرق، خاصة وأن المنطقة حدودية، وهناك ما يسمى مخزن السلطان لا يتساهلون مع هذه القبائل، فهم يمارسون معها سياسة العصا الغليظة، وهي تشكل خطرا جاثما يهدد الأمن ويجعل المنطقة كلها على فوهة بركان سرعان ما يندلع في أي مكان وفي أي اتجاه.
وكان احتراف الوعي لا محيد عنه للشباب، قبل أن يشتد عودهم، فيمتهنون التجارة، وعن طريق القوافل يكونون همزة وصل بين الصحراء والتل الوهراني، إلا أن والده السي العربي بن الحرمة قرر أن يجعل ابنه ملازما للشيخ محمد بن عبد الرحمان أحد مقدمي الطريقة الشيخية، الذي تعلم على يديه بعض القرآن الكريم والحديث الشريف، وبعد ذلك بالنسبة لأهل لطريقة الأوراد، والأذكار ثم المبادئ العامة للتصوف والزهد في الحياة.
وتعلم ما يؤهله لأن يكون شيخا مقدما، ومن هنا بات واضحا أن زاوية امغرار قد حُسم الأمر في شيخها ومقدمها من البداية لما عرف عن هذا الشاب من ورع وحكمة وسداد رأي ونفاذ بصيرة، وحسن تدبير تألقاً بجديه الرجلين الصالحين سيدي الشيخ وسيدي سليمان بن أبي سماحة.
فها هو يكرس جانباً مهماً من حياته في طلب العلم والبحث في الأمور الفقهية المختلفة، إلا أن العصر بأكمله لم يكن ليزخر بحواضر متميزة للعلم والعلماء في هذه المنطقة من الجزائر بالضبط، فهي بؤرة توترات وحروب سواء تعلق الأمر بالغزو الفرنسي أم مخزون السلطان المغربي، المهم أن الشاب يكون قد ارتحل إلى المغرب ليتابع حلقات درس القرويين.
ويمكن أن نؤكد أن الرجل عصامي، نهل من المصادر المهمة التي وقعت بين يديه، فأخذ ما كان يجب أن يأخذ، فتثقف وتفقه واطلع على كثير من المعارف التي كان يرغب في الاطلاع عليها ككتب الدين - على سبيل المثال.ولقد ارتبط الشيخ بوعمامة بالسيدة ربيعة ابنة عمه، والتي أنجبت له نجله السي الطيب في عام 1870م، الذي أصبح رفيق حياته ومعاركه كلها.
لم تكن سلطات الاحتلال الفرنسي على جهل تام بما يحضره الشيخ بوعمامة، الذي وصفته التقارير المختلفة بأنه مجرد رجل مهوس، بينما ذكرته تقارير أخرى بأنه رجل دين، صاحب طريق مرابط، يجمع أموال الزكاة لينفقها على أصحابه المجاذيب.وواصل الشيخ بوعمامة تحضيراته المادية والبشرية في سرية تامة، فاجتمع إليه شيوخ القبائل المجاورة للمنطقة، وشرع في مراسلة العديد من الذين اعتقد فيهم المؤازرة والمساندة، وقد أعطت قبيلة الشعانبة خير مثال على ذلك، كما أنه بعث وفوداً إلى أولاد سيد الشيخ الغرابة، ثم أولاد سيد الشيخ الشراقة الذين كانوا أكبر سند له رغم الخسائر البشرية الكبيرة التي أصابتهم أثناء ثورة أولاد سيدي الشيخ (خسائر الجبهة الفرنسية كانت أضعاف خسائر أولاد سيدي الشيخ ).
لقد بعث الشيخ بوعمامة عدة رسائل إلى أعيان القبائل وتلا عليهم رسالة الجهاد مع توضيح الأسباب، وهذه الرسالة التي تلاها عليهم:
الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله: جماعتنا المحروسة بعين الرضا قبيلة بعد قبيلة من غير تخصيص، نعلمكم أعلمكم الله خيرا على أمر الجهاد في سبيل الله بعدما فرق الكفار الفرانساويون بين الأخوة، وفسقوا في أرضنا، واستحلوا حرماتنا، أرادكم الله وأعانكم، وللخير والجهاد وفقكم.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
فتوكل الشيخ على المولى عز وجل، وخاض المعارك الطاحنة رفقة أتباعه ومريديه، والسبب المباشر في إعلان الجهاد من طرفه هو هذا الوازع العقائدي، بل أن الجحافل المنضوية تحت راية جهاده والتي تعد بالآلاف ماكان لها أن تكون لولا شدة اقتناعها بأنها تحارب قوات الكفر، وتحمل شعار الجهاد في سبيل الله وإعلاء كلمة الحق، وعلى وجه أخص أن الجميع متأكد بأن الزعيم الروحي ليس له من هدف يصيبه إلا الإيمان الراسخ، ثم أنه أثبت للملأ أنه لا يسعى إلى تكوين زعامة سياسية، وإنما كان تركيزه على أن يفهمه الجميع بأنه قائد روحي ثائر على الظلم والاضطهاد على شاكلة سليمان بن حمزة وبقية أبناء عمومته، يتزعم مجاهدين أوفياء كما كان يصفهم، يدافعون عن شرفهم ولا يسكتون أمام جبروت الظالم المستبد.
إنه بذلك هو رفاقه يعلنون كلمة الحق تمازجها لحظات النصر ، وفي الوقت ذاته يقيمون حلقات الذكر لقراءة القرءان الكريم حيثما حل بهم الظلام، وفي زاويتهم المتنقلة يستعيدون أورادهم وأدعيتهم الصوفية العميقة، مهللين ومكبرين ومسبحين على طريقتهم الإيمانية.
فعلى الرغم من عدم تمكنه من الثقافة العميقة إلا أنه استطاع مجاراة أحداث زمانه نتيجة دهائه السياسي وخبرته بالمنطقة ومجالسته لكبار العارفين من هذه القبائل المختلفة التي جمعته بها كلمة الجهاد، ثم إنه متمكن من الثقافة الشفوية التي عرف بها كبار القادة وعظماء الرجال .
راسل شيوخ القبائل وقادة الاحتلال الفرنسي برسائل تاريخية وعرض المشورة على ثلة من المقربين منه .
استقبل مبعوثي القادة العسكريين وأجابهم مشافهة وتارة عبر رسائل، وفي كل الحالات كان يلح على ترديد كلمته التاريخية الشهيرة: (يجب أن تخرجوا من أرضنا) رافضا الصلح بكل صوره، وكان يراه خيانة .
ومرت زاويته بعدة مراحل في حياته، ولكنها بدت إلى التطور شيئا فشيئا، فبعد أن أسسها في أمغرار وجدد الحصون حولها وبني جوانبها، خاض عدة معارك أهمها معركة تازينا 19-05-1881م والتي انتصر فيها المجاهدون انتصارا عظيما، وفتحت الطريق أمام الشيخ بوعمامة لينشر ثورته في مناطق عين الصفراء البيض، أفلو، فرندة، تيارت، سعيدة، بشار، وبعد هده الثورات اضطرت السلطات الفرنسية أن تجعل باستعادة جزء من قواتها العسكرية التي اشتركت في احتلال تونس.
وإرسال العقيد القائد (نقريي) من البيض إلى الأبيض سيدي الشيخ، الذي فكر في أن القضاء على ثورة أولاد سيدي الشيخ يستلزم تحطيم ضريح سيدي الشيخ، والزاوية بالأبيض سيدي الشيخ .وانتقلت الزاوية والطريقة الإيمانية إلى الخيم حيث الشيخ بوعمامة متنقل عبر التلال والفيافي، ثم أعاد بناءها في دلدول قرب تيميمون بأقصى الجنوب وتجمعت حوله القبائل وأعيان القصور والواحات.
يتبع
وهكذا ما إن حلت سنة 1892م حتى أدركه كل من القصر العلوي بالمغرب والمفوضية الفرنسية بطانجة، ما أصبح عليه سيدي بوعمامة من نفوذ روحي، وتأييد قبلي، وقوة حربية بالمناطق الصحراوية ومحيطها، وبذلك سعى الطرفان إلى اكتسابه، في حين تبدو رغبة الشيخ بوعمامة في الحفاظ على حريته واستقلاله واضحة من خلال معاملاته ومراسلاته السياسية مع الحكام العسكريين المباشرين، ولا شك أن له يداً في الوقائع التي دارت بين الفرنسيين والبرابر في نخيلة في 05 جويلية 1903م، وفي الهجوم الواسع على مركز تاغيت بجبل بشار، وتنظيم حملات الساهلة والمطارفة، وأوجروت وشروين وتيميمون إلى آخر المعارك التي خاضها وحرض عليها.
وقد امتد الشيخ بوعمامة في ثورته من الواحات الجنوبية عبر وادي الزوزفانة ووادي الناموس، وعندما وصل إلى الناحية الشمالية فيغيغ أسس زاوية بواحة المغرار التحتاني، كما حاول إقامة حلف من قبائل لعمور وبني كيل وغيرهما من قبائل الحدود إلى ناحية تلمسان نفسها: والهجوم على الفرنسيين الذين أرغموا على استرجاع عدد من فيالق جيوشهم؛ حيث استعدوا من جديد بعدما تكبدوا خسائر فادحة للهجوم بأسلحتهم المتفوقة والضغط على الشيخ بوعمامة نحو الجنوب، حيث رجع سنة 1882 إلى دلدول وهي واحة في جورارة وسط توات، حيث أسس زاوية هناك يدرس فيها القرآن الكريم والعلوم الشرعية، فاكتسب بها مزيدا من الأنصار والأتباع.
وظل الشيخ بوعمامة ثائرا إلى سنة 1908م حيث استقر بأنكاد أماسي حمزة وسي قدور بن حمزة وغيرهما من زعماء أولاد سيدي الشيخ الشرقية.ولقد أخذت وضعية توات تنقلب، فقد بدأت فرنسا تؤسس لنفسها نفوذا سياسيا بين بعض القبائل التي أصابها الخوف نتيجة تزايد الضغط العسكري الفرنسي ضد واحات توات.
وهكذا استطاع الفرنسيون أن يعقدوا اتفاقيات مع عدد من الفصائل التي تسكن بواحة جورارة، وكذلك مع بعض فصائل ذوي منيع، وبعض الطوائف من سكان عين صالح.
وفي الوقت الذي أعطى فيه مؤتمر برلين 1885م حرية التوسع الأمبريالي في أفريقيا بالنسبة للدول الأوروبية التي حضرت هذا المؤتمر، بادرت فرنسا إلى تهيئة الشروط الضرورية لاكتساح توات، وفعلا شيدت في السنة التالية للمؤتمر 1886م حصنا في المنيعة، ووضعت فيه حامية عسكرية تتركب من 156 جنديا بصفة دائمة، وهي الحامية التي سيقرر البرلمان الفرنسي في بداية العقد الأخير من القرن 19م رفع عددها إلى 600 جندي، وقد كائن حامية فرنسا قد حاولت الاستقرار بها منذ 1873م، ولكنها انسحبت منا لأسباب أمنية.
وفي التاريخ نفسه 1886م قامت بعثة دراسية فرنسية تحت إشراف الضابط (بالا) الذي تجول عبر توات كلها بمساعدة شخصين مسلمين من كبار قصور حاسي الشيخ بالحدود الوسطى، وقد خرج (بالا) من قصور الأبيض سيدي الشيخ، ونزل عبر حوض وادي كير، ثم وصل إلى واحات الخنافسة، ثم تجول في قصور جورارة، وزار مؤسسة الشيخ بوعمامة في دلدول، ومكث هناك في ضيافة بعض الأهالي مدة ثمانية أيام، ثم توجه إلى عين صالح مروراً بتادمايت؛ حيث اغتيل هناك في شهر فبراير 1886م هو ومرافقاه الجزائريان، وقد كان اغتياله على يد أصحاب الشيخ عبد القادر بن باجودة الذي كان من أكبر زعماء عين صالح، الذي سبق له أن نصب كمينا للبعثة العسكرية الفرنسية سنة 1881م.
الشيخ بوعمامة
الشيخ بوعمامة –رحمة الله عليه- هو أحد أحفاد الولي الصالح السيخ عبد القادر بن محمد المعروف بسيدي الشيخ.
وهو من بني عمومة سي سليمان بن حمزة زعيم الانتفاضة المسماة في التاريخ ثورة أولاد سدي الشيخ.
لشيخ بوعمامة هو محمد بن العربي بن الحرمة بن إبراهيم بن التاج بن عبد القادر بن محمد سيد الشيخ بن سليمان بن سعيد بن أبي ليلة بن عيسى بن أبي يحي بن معمر الملقب أبو العالية بن سليمان بن سعيد بن عقيل بن حفص الملقب حرمة الله بن عساكر بن زيد بن حميد بن عيسى بن التادلي بن محمد الملقب السلي بن عيسى بن زيد بن الطفيل المدعو الزغاوي بن صفوان بن محمد بن عبد الرحمان بن سيدنا أبي بكر الصديق - رضي الله عنه-.
فهو من مواليد امغرار سنة 1845م، حيث نشأ وترعرع في هذه المنطقة التي عرفت بالتوتر والغليان في النصف الأخير من القرن التاسع عشر، وانعدام مايسمى بالدولة إضافة إلى طغيان قطاع الطرق، خاصة وأن المنطقة حدودية، وهناك ما يسمى مخزن السلطان لا يتساهلون مع هذه القبائل، فهم يمارسون معها سياسة العصا الغليظة، وهي تشكل خطرا جاثما يهدد الأمن ويجعل المنطقة كلها على فوهة بركان سرعان ما يندلع في أي مكان وفي أي اتجاه.
وكان احتراف الوعي لا محيد عنه للشباب، قبل أن يشتد عودهم، فيمتهنون التجارة، وعن طريق القوافل يكونون همزة وصل بين الصحراء والتل الوهراني، إلا أن والده السي العربي بن الحرمة قرر أن يجعل ابنه ملازما للشيخ محمد بن عبد الرحمان أحد مقدمي الطريقة الشيخية، الذي تعلم على يديه بعض القرآن الكريم والحديث الشريف، وبعد ذلك بالنسبة لأهل لطريقة الأوراد، والأذكار ثم المبادئ العامة للتصوف والزهد في الحياة.
وتعلم ما يؤهله لأن يكون شيخا مقدما، ومن هنا بات واضحا أن زاوية امغرار قد حُسم الأمر في شيخها ومقدمها من البداية لما عرف عن هذا الشاب من ورع وحكمة وسداد رأي ونفاذ بصيرة، وحسن تدبير تألقاً بجديه الرجلين الصالحين سيدي الشيخ وسيدي سليمان بن أبي سماحة.
فها هو يكرس جانباً مهماً من حياته في طلب العلم والبحث في الأمور الفقهية المختلفة، إلا أن العصر بأكمله لم يكن ليزخر بحواضر متميزة للعلم والعلماء في هذه المنطقة من الجزائر بالضبط، فهي بؤرة توترات وحروب سواء تعلق الأمر بالغزو الفرنسي أم مخزون السلطان المغربي، المهم أن الشاب يكون قد ارتحل إلى المغرب ليتابع حلقات درس القرويين.
ويمكن أن نؤكد أن الرجل عصامي، نهل من المصادر المهمة التي وقعت بين يديه، فأخذ ما كان يجب أن يأخذ، فتثقف وتفقه واطلع على كثير من المعارف التي كان يرغب في الاطلاع عليها ككتب الدين - على سبيل المثال.ولقد ارتبط الشيخ بوعمامة بالسيدة ربيعة ابنة عمه، والتي أنجبت له نجله السي الطيب في عام 1870م، الذي أصبح رفيق حياته ومعاركه كلها.
لم تكن سلطات الاحتلال الفرنسي على جهل تام بما يحضره الشيخ بوعمامة، الذي وصفته التقارير المختلفة بأنه مجرد رجل مهوس، بينما ذكرته تقارير أخرى بأنه رجل دين، صاحب طريق مرابط، يجمع أموال الزكاة لينفقها على أصحابه المجاذيب.وواصل الشيخ بوعمامة تحضيراته المادية والبشرية في سرية تامة، فاجتمع إليه شيوخ القبائل المجاورة للمنطقة، وشرع في مراسلة العديد من الذين اعتقد فيهم المؤازرة والمساندة، وقد أعطت قبيلة الشعانبة خير مثال على ذلك، كما أنه بعث وفوداً إلى أولاد سيد الشيخ الغرابة، ثم أولاد سيد الشيخ الشراقة الذين كانوا أكبر سند له رغم الخسائر البشرية الكبيرة التي أصابتهم أثناء ثورة أولاد سيدي الشيخ (خسائر الجبهة الفرنسية كانت أضعاف خسائر أولاد سيدي الشيخ ).
لقد بعث الشيخ بوعمامة عدة رسائل إلى أعيان القبائل وتلا عليهم رسالة الجهاد مع توضيح الأسباب، وهذه الرسالة التي تلاها عليهم:
الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله: جماعتنا المحروسة بعين الرضا قبيلة بعد قبيلة من غير تخصيص، نعلمكم أعلمكم الله خيرا على أمر الجهاد في سبيل الله بعدما فرق الكفار الفرانساويون بين الأخوة، وفسقوا في أرضنا، واستحلوا حرماتنا، أرادكم الله وأعانكم، وللخير والجهاد وفقكم.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
فتوكل الشيخ على المولى عز وجل، وخاض المعارك الطاحنة رفقة أتباعه ومريديه، والسبب المباشر في إعلان الجهاد من طرفه هو هذا الوازع العقائدي، بل أن الجحافل المنضوية تحت راية جهاده والتي تعد بالآلاف ماكان لها أن تكون لولا شدة اقتناعها بأنها تحارب قوات الكفر، وتحمل شعار الجهاد في سبيل الله وإعلاء كلمة الحق، وعلى وجه أخص أن الجميع متأكد بأن الزعيم الروحي ليس له من هدف يصيبه إلا الإيمان الراسخ، ثم أنه أثبت للملأ أنه لا يسعى إلى تكوين زعامة سياسية، وإنما كان تركيزه على أن يفهمه الجميع بأنه قائد روحي ثائر على الظلم والاضطهاد على شاكلة سليمان بن حمزة وبقية أبناء عمومته، يتزعم مجاهدين أوفياء كما كان يصفهم، يدافعون عن شرفهم ولا يسكتون أمام جبروت الظالم المستبد.
إنه بذلك هو رفاقه يعلنون كلمة الحق تمازجها لحظات النصر ، وفي الوقت ذاته يقيمون حلقات الذكر لقراءة القرءان الكريم حيثما حل بهم الظلام، وفي زاويتهم المتنقلة يستعيدون أورادهم وأدعيتهم الصوفية العميقة، مهللين ومكبرين ومسبحين على طريقتهم الإيمانية.
فعلى الرغم من عدم تمكنه من الثقافة العميقة إلا أنه استطاع مجاراة أحداث زمانه نتيجة دهائه السياسي وخبرته بالمنطقة ومجالسته لكبار العارفين من هذه القبائل المختلفة التي جمعته بها كلمة الجهاد، ثم إنه متمكن من الثقافة الشفوية التي عرف بها كبار القادة وعظماء الرجال .
راسل شيوخ القبائل وقادة الاحتلال الفرنسي برسائل تاريخية وعرض المشورة على ثلة من المقربين منه .
استقبل مبعوثي القادة العسكريين وأجابهم مشافهة وتارة عبر رسائل، وفي كل الحالات كان يلح على ترديد كلمته التاريخية الشهيرة: (يجب أن تخرجوا من أرضنا) رافضا الصلح بكل صوره، وكان يراه خيانة .
ومرت زاويته بعدة مراحل في حياته، ولكنها بدت إلى التطور شيئا فشيئا، فبعد أن أسسها في أمغرار وجدد الحصون حولها وبني جوانبها، خاض عدة معارك أهمها معركة تازينا 19-05-1881م والتي انتصر فيها المجاهدون انتصارا عظيما، وفتحت الطريق أمام الشيخ بوعمامة لينشر ثورته في مناطق عين الصفراء البيض، أفلو، فرندة، تيارت، سعيدة، بشار، وبعد هده الثورات اضطرت السلطات الفرنسية أن تجعل باستعادة جزء من قواتها العسكرية التي اشتركت في احتلال تونس.
وإرسال العقيد القائد (نقريي) من البيض إلى الأبيض سيدي الشيخ، الذي فكر في أن القضاء على ثورة أولاد سيدي الشيخ يستلزم تحطيم ضريح سيدي الشيخ، والزاوية بالأبيض سيدي الشيخ .وانتقلت الزاوية والطريقة الإيمانية إلى الخيم حيث الشيخ بوعمامة متنقل عبر التلال والفيافي، ثم أعاد بناءها في دلدول قرب تيميمون بأقصى الجنوب وتجمعت حوله القبائل وأعيان القصور والواحات.
يتبع
المشرف العام- Admin
- عدد الرسائل : 63
تاريخ التسجيل : 06/12/2008
نقاط : 5947
مواضيع مماثلة
» القصة الكاملة لثورة الشيخ بوعمامة ولد البيض(تابع )...
» استلام مرتقب لمشروع الطريق الإجتنابي لمدينة البيض
» Avira AntiVirus Premium الحماية الكاملة+ رخصة إلى أفريل 2011
» توبة شخص متاخرة لكن مقبولة باذن الله شاهدوا القصة
» شرح كتاب التوحيد -الشيخ أدم أبو هشام-
» استلام مرتقب لمشروع الطريق الإجتنابي لمدينة البيض
» Avira AntiVirus Premium الحماية الكاملة+ رخصة إلى أفريل 2011
» توبة شخص متاخرة لكن مقبولة باذن الله شاهدوا القصة
» شرح كتاب التوحيد -الشيخ أدم أبو هشام-
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى